Translate

الثلاثاء، 27 يناير 2015

تاسعا الجزء التاسع الشيخ المجاهد ابو بصير الطرطوسى على احد الاستفسارات الوارده بخصوص هذه الفئه التى تدعى تكفير العالم

بسم الله الرحمن الرحيم 

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. 
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) آل عمران:102. 
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً) النساء:1. 
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً . يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ) الأحزاب:70-71. 
أما بعد: 
فإن أصدقَ الحديث كتابُ الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشرَّ الأمور محدثاتها، وكلّ مُحدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. 
اللهم ربَّ جبريل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدنا لما اختُلِف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم. 
فبعد ان تناولنا فى الموضوعات السابقه فى الموضوع الاول نقض الدليل الذى استندوا اليه فى مذهبهم واستاندهم الى اية سورة النساء واثبات بطلان استدلالهم وبالتالى بطلان ما يقولون به وفى الموضوع الثانى تكلمنا عن حكم الديار وما قاله فيها علماء السلف وان اثبات الحكم على الديار بانطباقه على السكان لم يقل به اى عالم معروف او مشهود له بتقوى الله وفى الموضوع الثالث تكلمنا عن الحد الذى يثبت به اسلام الفرد وعصمة دمه وماله وتناولنا الاحاديث والايات المثبته لذلك وفى الموضوع الرابع تكلمنا عن قاعدة القواعد فى الاسلام العمل بالظاهر وما يدل عليها من ادله واسانيد  وفى الموضوع الخامس تكلمنا عن رد الامام ابن تيميه وانه لا يوجد من يقول بمثل هذا القول وفى الموضوع السادس تكلمنا عن الرد على من يٌنزل حكم البعض على الكل بما يفيد علمه الغيب والعياذ بالله من الكفر  وفى الموضوع السابع تكلمنا على الطائفة المنصوره واستمرار المسلمين الظاهرين والمجاهدين الى ان يعلو دين الله فوق كل الشرائع الباطله بالمناقضه لقول هذه الفرقه التى تدعى الغربه والركون الى الدنيا  وتدعى عدم وجود جهاد  وفى الموضوع الثامن ذكرنا الرد الشافى والكافى لشيخ الدعوه السلفيه ابو محمد المقدسى والتى تناول الموضوع بتوسع لكى لا يبقى لاحد حجه الا اذا كان لا يريد الا الضلال والاضلال والركون الى هواه  وهنا باذن الله سنتناول رد الشيخ المجاهد ابو بصير الطرطوسى على مدعى كفر العالم تابع الموضوع ::
فيقول الشيخ 



اعلم أن إصدار الأحكام على الأشياء والآخرين بالكفر أو الإيمان أمر هام جداً في ديننا وشريعتنا، والإقدام عليه من غير علم ولا دراية أو تثبت، يتسبب بنتائج وتبعات خطيرة ـ في الدنيا والآخرة ـ لا تحمد عقباها ..!
لذا نصيحتي لكل من يستشرف مَهمَّة الحكم على الأشياء والآخرين بالكفر أو الإيمان أن يلم ـ قبل إصدار الأحكام واتخاذ المواقف ـ بجميع القواعد ذات العلاقة بمسائل الكفر والإيمان، إلماماً وافياً شافياً ومن غير إهمالٍ لشيءٍ منها؛ فإن ما تطلقه قاعدة قد تقيده وتخصصه قاعدة أخرى، وما تُقيده قاعدة قد تُطلقه قاعدة أخرى .. أو قد تلغيه وتمنع من العمل به من وجه دون وجه .. بحسب الحالة المراد الحكم عليها .. وما يكون غامضاً مختصراً في قاعدة قد توضحه وتشرحه قاعدة أخرى! 
وغالب الذين يخطئون في مسائل الكفر والإيمان، يكون بسبب تعاملهم مع قاعدة أو قاعدتين من قواعد التكفير متجاهلين بقية القواعد الأخرى، التي قد تلقي فهماً آخر للمسألة .. مما يجعلهم يقعون في محظور الغلو والإفراط، أو الإرجاء والتفريط ..!  
لذا ـ تفادياً من الوقوع في الزلل والانحراف الآنف الذكر ـ نؤكد على ضرورة مراعاة وإعمال جميع قواعد التكفير 
من يتأمل واقع كثير من الناس يجد أنهم يجنحون في كثيرٍ من حياتهم الدينية والدنيوية إما إلى غلوٍّ وإفراط، وإما إلى جفاءٍ وتفريط .. والوسط بينهما يكاد يكون عزيزاً نادراً، لكنه ـ في هذه الأمة ـ لا يمكن أن ينضب، وهو باقٍ بقاء الحق .. وإلى يوم القيامة بإذن الله. 
وفي الآونة الأخيرة بزغت ظاهرة الغلو في التكفير من جديد، وبشكلٍ ملفت للإنتباه؛ ظاهرة تكفير الناس .. وانتهاك الحرمات بغير وجه حق .. أو مراعاةٍ لضوابط وقواعد التكفير ..!
مما حدى بالقوم ـ عن قصدٍ أو غير قصد ـ أن يقفوا تحت مظلة الخوارج الأوائل، وتحت رايتهم وشعارهم .. وينضموا إلى حزبهم وقافلتهم السوداء؛ الخوارج الذين حكَّموا الظن بدلاً من اليقين، والجهل بدلاً من العلم، فكفَّروا الناس بالذنوب التي هي دون الكفر الأكبر، ورتبوا على ذلك ولاء وبراء، وعداوة وبغضاء .. فأحلوا بذلك لأنفسهم انتهاك الحرمات بغير سلطان من الله!
وفي هؤلاء يصدق قول النبي صلى الله عليه وسلم :" يقتلون أهل الإسلام، ويتركون أهل الأوثان، لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد " متفق عليه. 
وقوله صلى الله عليه وسلم:" سيخرج قوم آخر الزمان أحداث الأسنان، سفهاء الأحلام، يقولون من قول خير البرية، لا يُجاوز إيمانهم حناجرهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، فأينما لقيتموهم فاقتلوهم؛ فإن في قتلهم أجراً لمن قتلهم يوم القيامة " البخاري.   
وكان ابن عمر يقول فيهم:" إنهم انطلقوا إلى آياتٍ نزلت في الكفار فجعلوها على المؤمنين! " البخاري.
وكذلك في الموقف المقابل ملاحظة حزب أهل التجهم والإرجاء؛حزب التفريط والجفاء، أصحاب النفس الإرجائي الاتكالي، القائل: لا يضر مع التصديق ذنب .. أي ذنب .. ومن قال لا إله إلا الله دخل الجنة مهما كان منه من عمل!!
فتعاملوا مع الناس على أساس أسمائهم التي تنم عن انتسابهم لأبوين مسلمين، بغض النظر عن عقائدهم وأفعالهم الظاهرة، فالمرء يكفي عندهم لأن يكون مسلماً في الدنيا والآخرة .. وأن يُزوج من بنات المسلمين، ويُعامل معاملة المسلمين من حيث الحقوق والواجبات .. أن يكون اسمه أحمد أو خالداً .. أو يحمل شهادة ميلاد مكتوب عليها مسلم .. ولا ضير عليه بعد ذلك أن يكون شيوعياً أو علمانياً حاقداً على الإسلام والمسلمين، شتاماً للرب والدين ولأتفه الأسباب .. وممن يُحاربون الله ورسوله .. لا يُراعي في المؤمنين 
إلاً ولا ذمَّة .. فلا يضر مع اسمه الإسلامي أو هويته الإسلامية ذنب بل ولا كفر[ ]!!  
فانطلقوا إلى آيات نزلت في المؤمنين الموحدين، ونصوصٍ قِيلت في عصاة الموحدين .. فحملوها على الكفار المارقين، والزنادقة الملحدين .. والطواغيت الآثمين .. وجعلوهم بمرتبة عصاة أهل القبلة من المؤمنين !!
فأماتوا ـ بذلك ـ الأمة أماتهم الله، وأصابوها بالوهن؛ حب الدنيا وكراهية الموت، وورثوا أبناءها روح الاتكالية وحب ترك العمل، حتى سهل عليهم ترك الحكم بما أنزل الله واستبداله بحكم وشرائع الطاغوت .. وصوروا لهم أن الأمر لا يتعدى أن يكون معصيةً .. وأن يكون كفراً دون كفر .. وأنه ليس بالكفر الذي تذهبون إليه .. فجرأوهم بذلك على الكفر البواح وهم يدرون أو لا يدرون ..!
  وكذلك الصلاة ـ عمود الإسلام .. آخر ما يفقد من الدين؛ فإذا فُقدت فُقد الدين .. الصلاة التي حكم النبي  على تاركها بالكفر والشرك والخروج من الملة ـ فقد هونوا من شأنها؛ لأنها عمل .. وجادلوا عن تاركها أيما جدالٍ .. إلى أن هان على الناس تركها، وأصبح تركها صفة لازمة لكثير من الناس .. ولا حول ولا قوة إلا بالله!
فقالوا لهم: لا عليكم، هذا الكفر .. كفر عمل .. وكفر العمل ـ ما دام عملاً ـ ليس بالكفر الذي تذهبون إليه، وإنما هو كفر أصغر، وكفر دون كفر .. فوسعوا بذلك دائرة الكفر العملي الأصغر بغير علم ولا برهان حتى أدخلوا في ساحته الكفر الأكبر، وأئمة الكفر البواح ..!
ومن أخلاقهم وشذوذاتهم كذلك أنهم ضيقوا نواقض التوحيد وحصروها في ناقضة الاستحلال أو الجحود القلبي فقط، والمستحل عندهم الاستحلال الموجب للكفر هو الذي يسمعهم عبارة الاستحلال القلبي واضحة صريحة، وما سوى ذلك من القرائن العملية الظاهرة الدالة على الرضى والاستحلال والجحود، وحقيقة ما وقر في الباطن فلا اعتبار لها .. فباب التأويل مفتوح على مصراعيه، وساحة الأعذار الواهية، والتأويلات الباطلة تسع أطغى طغاة الأرض ..!! 
فجرأوا الناس على ترك العمل، وعيشوهم على الرجاء المحض، وعلى أمل وأمان الذرة الواحدة من الإيمان ..  أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُون الأعراف:99. 
ومما لا شك فيه أن كلا الفريقين ـ فريق الغلو وفريق الإرجاء ـ على ضلالٍ كبير، وخطر عظيم في دينهم؛ فكما أن تكفير المسلمين بالظن، ومن دون علم ولا برهان مؤداه أن يرتد الحكم بالكفر على صاحبه الذي أطلقه، كذلك فإن عدم تكفير الكافر، أو حتى الشك في كفره قد يؤدي بصاحبه إلى الكفر والخروج من دائرة الإسلام[ ]. 
والحصن من الانجراف وراء كلا الفريقين، وغيرهم من أهل البدع والأهواء هو العلم النافع؛ وأهم العلم و أوكده وأشرفه علم التوحيد الذي يعرِّف العبد على خالقه وعلى خصائصه، وأسمائه وصفاته  .. وعلى حقه عليه .. كما يعرفه على الإيمان وشروطه ومتطلباته وأسباب زيادته فيأتيها، ويجتهد في طلبها .. وعلى الشرك وما يقرب إليه فيجتنبه ويعتزله .. ويكفر به وبأهله.
  فجاهل التوحيد سهل الغزو والمنال، لا تؤمن عليه فتنة الوقوع في شباك الشرك والكفر، وأن يكون ظهيراً للمجرمين؛ لأن جاهل الشيء كفاقده، وفاقد الشيء لا يمكن أن يعطيه. 
كما أن فاقد التوحيد لا يثبت له بنيان ولا قرار .. ولا يُقبل منه طاعة ولا عمل .. مهما اجتهد في الطاعات ..! 
لذا نؤكد على أهمية التفقه بالتوحيد .. وأن أول ما ينبغي على المسلم تعلمه والتفقه به .. والنفور إلى تحصيله هو التوحيد؛ فيطلبه بدليله من الكتاب والسنة على فهم سلف الأمة .. بعيداً عن طريقة ومسائل أهل الكلام والأهواء وغيرهم من أهل البدع الذين ضلوا الطريق .. وهم يحسبون أنهم يُحسنون صنعاً! 
قال تعالى:فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُمحمد:19. 
وعن جندب بن عبد الله، قال: كنا مع النبي  ونحن فتيان، فتعلمنا الإيمان ـ أي التوحيد ـ قبل أن نتعلم القرآن، ثم تعلمنا القرآن فازددنا به إيماناً[ ]. 


وكذلك الذين يثبطون الأمة عن الجهاد، ويخذلون المسلمين عن القتال في سبيل الله، ويتهكمون بالمجاهدين، ويقللون من شأنهم وينبذونهم بالألقاب الرديئة، وينفرون الناس عنهم وعن نصرتهم، أو يتهمونهم بالتهور والجنون وأنهم أصحاب فتنة لكونهم يجاهدون في سبيل الله وغير ذلك، فهذه الأقوال والأفعال قرينة دالة على النفاق .. وهي مؤدية إلى النفاق .. وهي لا تصدر إلا عن المنافقين .. والعياذ بالله. 
كما قال تعالى عنهم:( قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلاً)الأحزاب:18.
وقال تعالى:( الَّذِينَ قَالُوا لإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَأُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ) آل عمران:168. 
وقال تعالى:( لا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ . إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ ) التوبة:44-45. 
قال ابن تيمية في الفتاوى 28/438: فهذا إخبار من الله بأن المؤمن لا يستأذن الرسول في ترك الجهاد، وإنما يستأذنه الذين لا يؤمنون، فكيف بالتارك من غير استئذان ؟!ا- هـ. 
قلت: فكيف بمن يثبط الأمة عن الجهاد، ويؤثم المجاهدين ويجرمهم لجهادهم ..؟! 
كيف بمن يعطل الجهاد كلياً، ويصد الأمة عنه، لتأويلات باطلة وفاسدة، ومبعثها ـ في الحقيقة ـ يكون الخور والجبن، والإرجاف ..؟! 
كيف بمن يكره الجهاد والمجاهدين ـ صفوة هذه الأمة ـ ويعاديهم، ويحرض الناس على أذاهم والنيل منهم ومن جهادهم ..؟! 
كيف بمن يستبدل الجهاد في سبيل الله بالطرق الباطلة الشركية؛ كالديمقراطية، والانتخابات البرلمانية وغيرها ..؟! 
لا شك أنه أولى بالنفاق .. وبانتفاء الإيمان عنه!  

قاعدة " اعتبار الظاهر في الكفر والإيمان ". 

الشرح: أي أن المرء يحكم عليه بالكفر أو الإيمان بناءً على ظاهره؛ فإن أظهر الكفر ـ من غير مانعٍ شرعي معتبر ـ يحكم عليه بالكفر، وإن أظهر الإيمان يحكم عليه بالإيمان من دون أن نتتبع باطنة، أو نسأل عن حقيقة ما وقر في قلبه، لأن معرفة ما في القلوب من خصوصيات علام الغيوب، كما أن الأحكام مبناها على الظاهر، وما يُظهره المرء من أقوالٍ أو أعمال.
والأدلة على صحة هذه القاعدة كثيرة، منها: 
1- قوله صلى الله عليه وسلم في"الصحيحين:" أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله ". 

  وهذه أركان جميعها ظاهرة للعيان مسموعة بالآذان ـ وهي من خصوصيات الجوارح الظاهرة دون الباطن ـ فمن أتى بها حُكم بإسلامه، وعصم دمه وماله، وعومل معاملة المسلمين.
قال ابن تيميه في الصارم، ص356: معناه أني أمرت أن أقبل منهم ظاهر الإسلام، وأكل بواطنهم إلى الله، فالنبي عليه الصلاة والسلام لم يكن يقيم الحدود بعلمه، ولا بخبر الواحد، ولا بمجرد الوحي، ولا بالدلائل والشواهد، حتى يثبت الموجب للحد ببينة أو إقرار؛ ألا ترى كيف أخبر عن المرأة الملاعنة أنها إن جاءت بالولد على نعت كذا وكذا فهو للذي رميت به، وجاءت به على النعت المكروه، فقال:" لولا الأيمان لكان لي ولها شأن ". وكان بالمدينة امرأة تعلن الشر، فقال:" لو كنت راجماً أحداً من غير بينة لرجمتها ".
وقالصلى الله عليه وسلم  للذين اختصموا إليه:" إنكم تختصمون إلي، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي بنحو مما أسمع، فمن قضيت له من حق أخيه شيئاً فلا يأخذه، فإنما أقطع له قطعة من النار ". فكان ترك قتلهم ـ أي المنافقين ـ مع كونهم كفاراً، لعدم ظهور الكفر منهم بحجة شرعية ا- هـ. 
2- ومنها قوله صلى الله عليه وسلم  :" من صلى صلاتنا واستقبل قبلتنا، وأكل ذبيحتنا فذاك المسلم له ذمة الله وذمة رسوله "البخاري. 
فالحديث فيه أن من أتى بهذه الأعمال الظاهرة حُكم بإسلامه ولا بد ..له ذمة الله وذمة رسوله.

3- ومنها، ما رواه أسامة بن زيد قال: بعثنا رسول الله في سرية فصبحنا الحرقات من جهينة، فأدركت رجلاً، فقال: لا إله إلا الله، فطعنته، فوقع في نفسي من ذلك، فذكرته للنبي صلى الله عليه وسلم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" أقال لا إله إلا الله وقتلته ؟!" قال: قلت يا رسول الله إنما قالها خوفاً من السلاح، قال:" أشققت عن قلبه حتى تعلم أقالها أم لا " فما زال يكررها علي حتى تمنيت أني أسلمت يومئذٍ! 
وفي رواية: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" أقتلته ؟!" قال: نعم، قال:" كيف تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة "، قال: يا رسول الله استغفر لي، قال:" وكيف تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة؟!"، قال: فجعل لا يزيد على أن يقول:" كيف تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة؟"متفق عليه. 
فتأمل كيف أن النبي صلى الله عليه وسلم أغلظ في الإنكار على أسامة عندما أعمل ظنه ـ والظن لا يغني من الحق شيئاً ـ في قتل الرجل، والحكم عليه أنه ما قال شهادة التوحيد إلا تقية من السلاح، حتى تمنى أسامة أنه لو أسلم يومئذ ولم تكن منه تلك الفعلة! 
ثم إذا كان أسامة أعجز من أن يشق عن قلب الرجل ـ وهذا شأن كل مخلوق ـ ليعرف أقال كلمته صادقاً من قلبه أم لا .. فإن ذلك يقضي منه أن يكتفي بالحكم على الظاهر، والله تعالى يتولى السرائر. 
قال النووي في شرح لصحيح مسلم 2/107: وقوله صلى الله عليه وسلم:" أفلا شققت عن قلبه"، فيه دليل للقاعدة المعروفة في الفقه والأصول أن الأحكام يعمل فيها بالظواهر والله يتولى السرائر ا- هـ.  
وقال ابن تيميه رحمه الله في الصارم، ص329: ولا خلاف بين المسلمين أن الحربي إذا أسلم عند رؤية السيف وهو مطلق أو مقيد يصح إسلامه، وتقبل توبته من الكفر، وإن كانت دلالة الحال تقتضي أن باطنه خلاف ظاهره ا- هـ.  
4- ومن الأدلة كذلك، ما رواه المقداد بن الأسود أنه قال: يا رسول الله أرأيت إن لقيت رجلاً من الكفار فقاتلني، فضرب إحدى يدي بالسيف فقطعها، ثم لاذ مني بشجرة، فقال: أسلمت لله، أفأقتله يا رسول الله بعد أن قالها ؟ قال رسول الله :" لا تقتله"، قال: فقلت يا رسول الله إنه قد قطع يدي ثم قال ذلك بعد أن قطعها، أفأقتله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" لا تقتله فإن قتلته فإنه بمنزلتك قبل أن تقتله، وإنك بمنزلته قبل أن يقول كلمته التي قال" متفق عليه.
قال النووي في الشرح 2/106:" فإنه بمنزلتك قبل أن تقتله وإنك بمنزلته قبل أن يقول كلمته التي قال" فأحسن ما قيل فيه وأظهره، ما قاله الإمام الشافعي وابن القصار المالكي وغيرهما، أن معناه: فإنه معصوم الدم محرم قتله بعد قوله لا إله إلا الله كما كنت أنت قبل أن تقتله، وإنك بعد قتله غير معصوم الدم ولا محرم القتل كما كان هو قبل قوله لا إله إلا الله[ ]. 
 5- ومنها، ما رواه أبو سعيد الخدري  صلى الله عليه وسلم  قال: قام رجل غائر العينين مشرف الوجنتين، ناشز الجبهة، كث اللحية، محلوق الرأس، مشمر الإزار، فقال: يا رسول الله اتق الله![ ] فقال:" ويلك أولست أحق أهل الأرض أن يتقي الله ؟! " قال: ثم ولَّى الرجل، فقال خالد بن الوليد: يا رسول الله ألا أضرب عنقه؟ فقال:" لا، لعله أن يكون يصلي ". قال خالد: وكم من مصلٍ يقول بلسانه ما ليس في قلبه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إني لم أومر أن أنقب عن قلوب الناس ولا أشق بطونهم " قال: ثم نظر إليه وهو مقفٍّ فقال:" إنه يخرج من ضئضئ هذا قوم يتلون كتاب الله رطباً، لا يجاوز حناجرهم، يرمقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية لئن أدركتم لأقتلنهم قتل ثمود " مسلم. 
والشاهد من الحديث قوله صلى الله عليه وسلم:" لم أومر أن أنقب عن قلوب الناس ولا أشق بطونهم "، أي أننا نكتفي بظاهرهم؛ فإن أظهروا لنا ما يدل على إسلامهم ـ كإقامة الصلاة ـ عاملناهم كمسلمين لهم ما للمسلمين وعليهم ما عليهم، وإن أظهروا لنا ما يدل على كفرهم عاملناهم معاملة الكافرين من دون أن نشق عن بطونهم أو نتحرى عن حقيقة ما وقر في قلوبهم[ ]. 
هذا الموقف للنبي صلى الله عليه وسلم مع خالد بن الوليد صلى الله عليه وسلم، كان بمثابة الدرس الكبير لخالد الذي استفاد منه في غزواته وحروبه اللاحقة، كما قدمنا في قصته مع " مجاعة " أنه لما وصل إلى العرض في مسيره إلى أهل اليمامة لما ارتدوا، قدم مائتي فارس، وقال: من أصبتم من الناس فخذوه، فأخذوا" مجاعة " في ثلاثةٍ وعشرين رجلاً من قومه، فلما وصل إلى خالد، قال له: يا خالد! لقد علمت أني قدمت على رسول اللهصلى الله عليه وسلم  في حياته فبايعته على الإسلام، وأنا اليوم على ما كنت عليه أمس، فإن يك كذاباً قد خرج فينا، فإن الله يقول:  ولا تزر  وازرة وزر أخرى . 
فقال خالد: يا مجاعة! تركت ما كنت عليه أمس، وكان رضاك بأمر هذا الكذاب وسكوتك عنه، وأنت أعز أهل اليمامة، وقد بلغك مسيري، إقراراً له ورضاء بما جاء به، فهل لا أبيت عذراً، وتكلمت فيمن تكلم .. لأن قلت: أخاف قومي، فهلا عمدت إلي أو بعثت إلي رسولاً؟! فقال: إن رأيت يا ابن المغيرة أن تعفو عن هذا كله، فقال: قد عفوت عن دمك ولكن في نفسي حرج من تركك [ ].
فتأمل كيف أن خالداً  اعتبر مجاعة راضياً بأمر الكذاب مسيلمة، وأنه تارك لما كان عليه بالأمس، لظاهره الذي يدل على رضاه بأمر الكذاب، علما أن مجاعة لم يتكلم كلمة واحدة تنم عن ذلك، وكان يقر بأنه لا يزال على ما كان عليه يوم أن بايع النبي صلى الله عليه وسلم على الإسلام. 
 6- ومنها، ما رواه النعمان بن بشير قال:كنا مع النبيصلى الله عليه وسلم ، فجاء رجل فساره، فقال:" اقتلوه " ثم قال:" أيشهد أن لا إله إلا الله؟" قال: نعم ، ولكنما يقولها تعوذاً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" لا تقتلوه، فإنما أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله "[ ]. 

فتأمل كيف أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقبل منهم ظنهم بأنه يقولها تقية من السيف، واكتفى بظاهره الذي يدل على إسلامه. 

8- ومنها، الحديث الذي يرويه أبو داود بسنده، عن علي بن أبي طالب قال: خرج عِبدان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم  ـ يعني يوم الحديبية ـ قبل الصلح، فكتب إليه مواليهم، فقالوا:يا محمد! والله ما خرجوا إليك رغبة في دينك، وإنما خرجوا هرباً من الرق. فقال ناس: صدقوا يا رسول الله ردهم إليهم، فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقال:"ما أراكم تنتهون يا معشر قريش حتى يبعث الله عليكم من يضرب رقابكم على هذا " وأبى أن يردهم، وقال:" هم عتقاء الله  صلى الله عليه وسلم "[ ].  
وعن عبد الله بن عتبة بن مسعود قال: سمعت عمر بن الخطاب  يقول:" إنّ ناساً كانوا يؤخذون بالوحي في عهد رسول الله ، وإن الوحي قد انقطع، وإنما نأخذكم الآن بما ظهر لنا من أعمالكم، فمن أظهر لنا سوءاً لم نأمنه ولم نصدقه، وإن قال إن سريرته حسنة " البخاري. 
وقوله:" إن ناساً كانوا يؤخذون بالوحي في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم  " أي أن النبي  

كان يقيل عثرات بعض الناس الظاهرة لعلمه ـ عن طريق الوحي  ـ بسلامة عقدهم وباطنهم، وهذا ليس لأحد بعد النبي ، وبالتالي لا يجوز لأحد أن يستدل بتلك الحالات الخاصة التي راعى فيها النبي  بواطن أصحابها كما في قصة حاطب بن أبي بلتعة وغيره .. على وجوب تحري الباطن، وشق البطون والقلوب لمعرفة ما فيها[ ]. 
لذلك نجد أن الصحابة رضوان الله تعالى عليهم، كانوا يقرون مبدأ التعامل مع الظاهر دون الباطن، في حالة الحكم على الآخرين بالكفر أو الإيمان. 
9- ومنها، ما روي في "الصحيحين" عن ابن عباس صلى الله عليه وسلم، قال:" لحق المسلمون رجلاً في غُنَيمَة له، فقال: السلام عليكم ـ إشارة إلى إسلامه ـ فقتلوه، وأخذوا تلك الغنيمة، فنزلت:(  وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ) تلك الغنيمة " فكان ذلك درساً بليغاً لهم وللمسلمين من بعدهم.  
 10- وعنه أيضاً، قال: قال رسول الله  صلى الله عليه وسلم  للعباس ابن عبد المطلب حين انتهى به إلى المدينة:" يا عباس افد نفسك وابني أخيك عقيل ابن أبي طالب ونوفل بن الحارث، وحليفك عتبة بن عمرو بن جحدم، فإنك ذو مال "، فقال: يا رسول الله إني كنت مسلماً، ولكن القوم استكرهوني، فقال: الله أعلم بإسلامك إن يكن ما تذكر حقاً فالله يجزيك به، فأما ظاهر أمرك فقد كان علينا فافد نفسك ". فاعتبر النبي  صلى الله عليه وسلم  ظاهره؛ وهو وقوفه في صف الكفار يوم بدر ضد المسلمين، فعامله معاملة الكفار، ولم يقبل منه عذره بأنه كان مكرهاً أو كان مسلماً، فظاهره يُبطل دعواه؛ وذلك أن العباس لم يكن يومئذٍ من المستضعفين الذين لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلاً للخروج والهجرة من سلطان الكافرين المحاربين .. إلى دولة الإسلام في المدينة المنورة. 
11- وكذلك فإن النبي  صلى الله عليه وسلم  كان يقبل من المنافقين ظاهرهم الدال على إسلامهم، 
مع علمه المسبق أنهم في الباطن كفار لا يؤمنون بالله ورسوله، وذلك ليقرر لأمته من بعده مبدأ التعامل مع الظاهر في حالتي الكفر والإيمان، وعدم السعي وراء شق البطون والتنقيب عما في القلوب. 

وفي هذه يقول الإمام الطحاوي في متن العقيدة: ولا نشهد عليهم بكفر ولا بشرك ولا بنفاق، ما لم يظهر منهم شيء من ذلك، ونذر سرائرهم إلى الله تعالى ا- هـ. 
قال ابن أبي العز الحنفي في الشرح: لأنا قد أمرنا بالحكم بالظاهر، ونهينا عن الظن واتباع ما ليس لنا به علم، قال تعالى:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ) الحجرات:12 . وقال تعالى:( وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً ) الإسراء:36. ا- هـ. 
لأجل ذلك ـ وعملاً بقاعدة اعتبار الظاهر ـ فإن أهل السنة والجماعة يرون الصلاة خلف مستور الحال، من دون أن يُسأل عن عقيدته وباطنه، أو أن يُقرر في بعض مسائل الاعتقاد كما يفعل ذلك بعض الجهلة!
يقول ابن تيميه في الفتاوى 4/542: وتجوز الصلاة خلف كل مسلم مستور باتفاق الأئمة الأربعة وسائر أئمة المسلمين، فمن قال: لا أصلي جمعة إلا خلف من أعرف عقيدته في الباطن، فهذا مبتدع مخالف للصحابة والتابعين لهم بإحسان، وأئمة المسلمين الأربعة وغيرهم ا- هـ. 
وقال في موضع آخر 23/351: ليس من شروط الإئتمام أن يعلم المأموم اعتقاد إمامه، ولا أن يمتحنه، فيقول: ماذا تعتقد؟ بل يصلي خلف مستور الحال.
وقول القائل لا أصلي خلف من لا أعرفه كما لا أسلم مالي إلا لمن أعرفه، كلام جاهل لم يقله أحد من أئمة الإسلام ا- هـ. 
وفي قوله تعالى: وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ العنكبوت:11. 
قال رحمه الله في الصارم، ص34: وذلك لأن الإيمان والنفاق أصله في القلب، وإنما الذي يظهر من القول والفعل فرع له ودليل عليه. فإذا ظهر من الرجل شيء من ذلك ترتب الحكم عليه ا- هـ. 
وفيمن يجالس المستهزئين بالله وآياته ـ من غير إكراه ولا إنكار أو قيام ـ قال الشيخ سليمان آل الشيخ: فإن ادعى أنه يكره ذلك بقلبه لم يقبل منه لأن الحكم على الظاهر، وهو قد أظهر الكفر فيكون كافراً[ ].

وفي الحديث عن أنس بن مالك قال: كان النبي  لا يغير إلا عند صلاة الفجر، فإن سمع أذاناً أمسك وإلا أغار، واستمع ذات يوم فسمع رجلاً يقول: الله أكبر، الله أكبر، فقال:" على الفطرة "، فقال الرجل: لا إله إلا الله، قال :"خرجت من النار"[ ]. ولا يخرج من النار ويدخل الجنة إلا من كان مسلماً.  


ولا يشترط على المرء لكي يصير مسلماً إضافة إلى نطقه بشهادة التوحيد، أن يأتي بالشروح والأدلة التي تنم عن فهمه لمتطلبات التوحيد ونواقضه ـ كما يفعل ذلك بعض الجهلة المتشددين ـ فهذا تكليف لم يرد عليه نص، وهو بخلاف السنة، إضافة إلى أنه أمر غير مقدور عليه لكل فرد من أفراد الأمة!
 فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لجارية ترعى غنماً:" أين الله؟" قالت:في السماء، قال:" من أنا؟" قالت:أنت رسول الله، قال لصاحبها معاوية بن الحكم:" اعتقها فإنها مؤمنة " مسلم. فتأمل كيف أن النبي
صلى الله عليه وسلم 
حكم للجارية بالإيمان لمجرد إجابتها أن الله في السماء وشهدت أنه رسول الله 
صلى الله عليه وسلم
 . 
وكذلك قوله للرجل الذي سمعه يقول لا إله إلا الله:" خرجت من النار " وغيرها كثير من الأدلة التي تدل أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحكم على الآخرين بالإيمان لمجرد نطقهم بشهادة التوحيد .. ولم يُطالبهم بالشروحات وحفظ المتون ..[ ]. 
قال الغزالي: أسرفت طائفة فكفروا عوام المسلمين وزعموا أن من لم يعرف العقائد الشرعية بالأدلة التي حرروها فهو كافر، فضيقوا رحمة الله الواسعة وجعلوا الجنة مختصة بشرذمة يسيرة من المتكلمين[ ]. 
وقال ابن حجر في الفتح 13/350: ونقل عن أكثر أئمة الفتوى أنهم قالوا: لا يجوز أن تكلف العوام اعتقاد الأصول بدلائلها لأن في ذلك من المشقة أشد من المشقة في تعلم الفروع الفقهية ا- هـ. 
ثم إن كثيراً من الناس لا يملكون الملكة اللسانية التي تمكنهم من التعبير عما استقرت عليه نفوسهم وقلوبهم من المعاني والاعتقادات، وهذا كان يحصل لبعض الصحابة، كما في سنن أبي داود، عن أبي صالح، عن بعض أصحاب النبي
صلى الله عليه وسلم 
 قال: قال النبي  
صلى الله عليه وسلم
  لرجل:" كيف تقول في الصلاة؟" قال: أتشهد وأقول: اللهم إني أسألك الجنة، وأعوذ بك من النار، أما إني لا أحسن دندنتك ولا دندنة معاذ، فقال النبي  
صلى الله عليه وسلم
 :"حولها ندندن"[ ].
وكذلك قد ثبت أن من الصحابة من لم يكن يقدر على حفظ شيء من القرآن الكريم، كما في الحديث عن عبد الله ابن أبي أوفى، قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني لا أستطيع أن آخذ من القرآن شيئاً، فعلمني ما يجزئني منه، قال:" قل سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله "قال: يا رسول الله هذا لله  فما لي؟ قال:" قل اللهم ارحمني وارزقني وعافني واهدني " فلما قام، قال هكذا بيده، فقال رسول الله  صلى الله عليه وسلم :" أما هذا فقد ملأ يده من الخير "[ ]. فتأمل هداك الله، وجنبك مزالق أهل الغلو والتنطع والجفاء.  

خلاصة القول: نستخلص من القاعدة الآنفة الذكر وشرحها أن أحكام الكفر والإيمان تُقام على أساس الظاهر، وما يُظهره المرء من قول أو فعل، وليس لنا وراء الظاهر من سبيل، وعليه نقول:" من أظهر لنا الكفر ـ من غير مانعٍ شرعي معتبر ـ أظهرنا له التكفير ". وهذه قاعدة من قواعد التكفير فاحفظها. 
وقولنا من غير مانعٍ شرعي معتبر هو لما ذكرناه في القاعدة الأولى .. فراجعها. 
وكذلك نقول:" من أظهر لنا الإسلام حكمنا بإسلامه ما لم يُظهر لنا ما يُضاده وينفيه " وهذه كذلك قاعدة من قواعد التكفير فاحفظها.  

ـ مسألة: الخطأ في تكفير المسلم أغلظ من الخطأ في الحكم على الكافر بالإسلام.
ومما يستدعي كذلك التوقف عن تكفير المعين عند حصول الظن والتردد وغياب اليقين الذي تطمئن إليه النفس، أن الخطأ في تكفير المسلم أغلظ من الخطأ في الحكم على كافرٍ بالإسلام، وذلك لوجوه:
منها: أن تكفير المسلم خطأ يستلزم انتهاك جميع الحرمات التي صانها له الإسلام بغير حق، ويعني كذلك قطع جميع روابط الود والموالاة بينه وبين المؤمنين؛ فتكفير المسلم كقتله، كما في الحديث:" إذا قال الرجل لأخيه: يا كافر فهو كقتله، ولعن المؤمن كقتله "[ ]. 
بينما هذا المحظور لا يحصل عند الخطأ في الحكم على كافر بالإسلام، بل يحصل خلافه حيث يمنح حصانة الإسلام؛ فيحرم دمه وماله وعِرضه، ويعطى الموالاة التي يجب أن تكون بين المسلمين وغير ذلك من الحقوق. 
ومنها: أن الخطأ في تكفير المسلم خطأ مضاعف؛ فهو خطأ في حق الله تعالى حيث حكم على المسلم بالكفر بخلاف حكم الله، فهو بذلك لم يُصب حكم الله.
وهو من جهة ثانية خطأ في جانب العبد لما يترتب على تكفيره من سلب لجميع الحقوق التي حفظها له الإسلام .. فالخطأ هنا خطآن: خطأ بحق الله، وخطأ بحق العبد.  
بينما الخطأ في الحكم على الكافر بالإسلام، هو خطأ في حق الله فقط؛ حيث حكم عليه بخلاف حكم الله .. فلم يُصب فيه حكم الله[ ]. 
ولا شك أن الخطأ في حق الله والعباد أغلظ من الخطأ الذي يكون بين العبد وربه وحسب، كما في الحديث:" الظلم ثلاثة، فظلم لم يغفره الله، وظلم يغفره، وظلم لا يتركه، فأما الظلم الذي لا يغفره الله تتعالى فالشرك، قال تعالى:ِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ، وأما الظلم الذي يغفره فظلم العباد أنفسهم فيما بينهم وبين ربهم، وأما الظلم الذي لا يتركه الله فظلم العباد بعضهم بعضاً حتى يدبر لبعضهم من بعض"[ ]. 
ومنها: أن الخطأ في تكفير المسلم مشكل على صاحبه، قد يورده موارد الهلكة والكفر وهو لا يدري، وبخاصة إن كان تكفيره للمسلم لا يرتكز إلى مستند شرعي صحيح، وتأويل معتبر.  
وفي الحديث فقد صح عن النبي  أنه قال:" أيما امرئ قال لأخيه يا كافر، فقد باء بها أحدهما، إن كان كما قال وإلا رجعت " مسلم. 
وقال :" من قال في مؤمن ما ليس فيه، حُبس في ردغة الخبال، حتى يأتي بالمخرج مما قال "[ ]. 
وهذا مزلق لا يترتب على الخطأ في الحكم على الكافر بالإسلام، وبخاصة إن كان هذا الخطأ ناتجاً عن اجتهاد وتأويل. 
قال الغزالي في كتابه" التفرقة بين الإيمان والزندقة ": ينبغي الاحتراز عن التكفير ما وجد إليه سبيلاً، فإن استباحة دماء المصلين المقرين بالتوحيد خطأ، والخطأ في ترك ألف كافر في الحياة أهون من الخطأ في سفك دم لمسلم واحد[ ].  
ومنها: أن قواعد ونصوص الشريعة أميل للأخذ بالعفو ما وجد إليه سبيلاً، فالخطأ في العفو والصفح أهون من الخطأ في العقوبة، كما في الحديث عن أبي هريرة  قال: قُتل رجل على عهد النبي ، فرفع ذلك إلى النبي ، فدفعه إلى ولي المقتول، فقال القاتل: يا رسول الله، والله ما أردت قتله. فقال رسول الله  للولي:" أما إنه إن كان صادقاً ثم قتلته دخلت النار " قال: فخلى سبيله[ ].
وعن أنس بن مالك  قال:" ما رأيت النبي  رُفع إليه شيء فيه قصاص إلا أمر به بالعفو "[ ]. 
وفي قوله تعالى: خُذِ العفْوَ  قال عبد الله بن الزبير: أُمر النبي  أن يأخذ العفو من أخلاق الناس[ ]. 
وفي الحديث الضعيف:" فإن الإمام إن يُخطئ في العفو خيرٌ من أن يُخطئ في العقوبة "[ ]. فالحديث وإن كان ضعيفاً إلا أن معناه صحيح قد دلت عليه أصول الشريعة وقواعدها.
ـ تنبيه: من مقتضيات العمل بهذه القاعدة "الإسلام الصريح لا ينقضه إلا الكفر الصريح " الإمساك عن تكفير أهل الكبائر والمعاصي التي هي دون الكفر أو الشرك الأكبر، كما قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاء  النساء:48. 
وفي الحديث فقد صح عن النبي  أنه قال:" أعطت الشفاعة وهي نائلة من لا يشرك بالله شيئاً "[ ]. 
وعن ابن عمر قال: ما زلنا نمسك عن الاستغفار لأهل الكبائر حتى سمعنا من في نبينا  يقول:" إن الله تبارك وتعالى لا يغفر أن يشرك به، ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء، فإني أخرت شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي يوم القيامة "، فأمسكنا عن كثير مما كـان في 
أنفسنا[ ]. 
كما أن الإمساك عن تكفير ذوي الكبائر والذنوب من العصاة، يعتبر من أبرز ما يميز أهل السنة والجماعة عن الخوارج الغلاة الذين يكفرون أهل القبلة بالكبائر والذنوب التي هي دون الكفر الأكبر. 
وقد تقدم الحديث عن هذه المسألة بشكل متفرق في طيات هذا الكتاب، ما يغني عن إعادته في هذا الموضع. 
وكذلك مما يستفاد من هذه" القاعدة " الإمساك عن الخوض في عقائد وأعراض الناس من غير علم ولا تثبت، وبخاصة إن كان هؤلاء الناس ممن يحسن التأويل لهم، وينبغي تحسين الظن بهم .. ممن لهم سابقة علم وابتلاء وجهاد في الإسلام.
فرب كلمة يطلقها المرء لا يلقي لها بالاً، ولا يحسب لها حساباً، توبقه في نار جهنم وبئس المصير، وتوجب عليه غضب الله تعالى وهو لا يدري. 
كما قال تعالى: وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ النور:15. 
وقال تعالى: وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً الأحزاب:58. 
وأشد ما يؤذي المؤمنين طعنهم في دينهم وعقيدتهم ـ أعز ما يملكون ـ ورميهم بالكفر والزندقة، وهم من ذلك بُرءاء. 
وفي الحديث فقد صح عن النبي  أنه قال:" من قال في مؤمن ما ليس فيه، حُبس في ردغة الخبال، حتى يأتي بالمخرج مما قال "[ ]. 
وقال :" إن من أربى الربا الاستطالة في عرض المسلم بغير حق  

:" مَن كفَّرَ مُسلِماً، فقد كفَرَ ". 
الشرح: قاعدة " مَن كفَّرَ مُسلِماً، فقد كفَرَ " صحيحة دلت عليها جملة من النصوص الثابتة الصحيحة، منها قوله  كما في صحيح مسلم:" إذا كفَّر الرجل أخاه فقد باء بها أحدهما ". 
وقال :" أيما امرئ قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما إن كان كما قال وإلا رجعت عليه ".
 وقال :" من دعا رجلاً بالكفر أو قال عدو  الله وليس كذلك إلا حار عليه ". 
وعن ابن عمر، قال: قال رسول الله :" أيما رجل مسلم أكفر رجلاً مسلماً، فإن كان كافراً، وإلا كان هو الكافر"[ ]. 
ومن رواية أبي سعيد الخدري  قال: قال رسول الله :" ما أكفر رجلٌ رجلاً إلا باء أحدهما بها: إن كان كافراً وإلا كفر بتكفيره "[ ]. 
وقال :" من رمى مؤمناً بكفرٍ فهو كقتله " متفق عليه.  
وقال :" إذا قال الرجل لأخيه: يا كافر فهو كقتله "[ ]. فهو كقتله لما يترتب عليه من تبعات وانتهاك للحرمات.
واعلم أنه لا يقدم على تكفير المسلم إلا واحد من أربعة: مستحل مكذب لحكم الله تعالى، وهازئ لاعب، ومتأول مخطئ، ومجتهد مخطئ. 
أما المستحل المكذب لحكم الله: فكفره ظاهر، وعلة كفره أنه أجاز لنفسه معارضة حكم الله، وأن يصف الأشياء بخلاف ما وصفها الله تعالى، كأن يقول الله تعالى عن شيء هذا حلال، فيقول هو ـ ومن غير عذر معتبرـ: لا، بل هو حرام. ويقول الله تعالى: من فعل كذا فهو مؤمن، ويأتي هو ليقول: لا، بل من فعل كذا فهو كافر .. فيحكم على الأشياء بغير حكم الله تعالى، ويصفها بغير ما وصفها الله تعالى به، فما يصفه الله تعالى بالإيمان يصفه هو بالكفر، ويرميه بالكفر .. ومثل هذا لا شك في كفره وخروجه من الإسلام. 
وأما الهازل اللاعب: الذي يكفر المسلم على وجه الهزل واللعب والاستهزاء، فهذا أيضاًَ لا شك في كفره، لقوله تعالى: قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ . لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ التوبة:65-66. وهذه آيات نزلت في أناس قالوا كلاماً  ـ على وجه الخوض واللعب والاستهزاء ـ في المؤمنين هو أقل شأناً وخطورة من تكفيرهم، ومع ذلك فقد كفروا بعد إيمانهم. 
قالوا عن المؤمنين:" ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء أرغب بطوناً، ولا أكذب ألسناً، ولا أجبن عند اللقاء " فكفروا بسبب هذه المقولة بعد إيمانهم .. فكيف بالذي يرمي المؤمنين ـ على وجه الخوض واللعب والاستهزاء ـ بالكفر والخروج من دائرة الإسلام .. لا شك أنه أولى بهذا الحكم  قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ . 
وقد تقدم الحديث عن أن الهزل بالكفر كفر، عند شرح قاعدة" قول الكفر كفر " ما يغني عن إعادته هنا، فانظره إن شئت.  
وأما المتأول المخطئ: كالذي يكفر مسلماً عن شبهة أو تأويل خاطئ، فهذا رغم أنه آثم ـ لأنه قضى عن جهل بغير علم ـ إلا أنه لا يكفر لوجود التأويل المرجوح، وشبهة الاستلال ببعض النصوص التي تمنع من لحوق الوعيد العام بالمعين[ ]. 
كالخوارج الذين كفروا بعض الصحابة ومن والاهم من المسلمين، وقالوا بكفر أهل الكبائر من المسلمين .. ومع ذلك لشبهاتهم وتأويلاتهم لم نجد أحداً من الصحابة قال  بكفرهم، حاملاً عليهم قاعدة من كفر مسلماً فقد كفر، مع اجتماعهم على تأثيمهم ووجوب جهادهم وقتالهم.  
قال ابن تيميه رحمه الله: والخوارج كانوا من أظهر الناس بدعة وقتلاً للأمة وتكفيراً لها، ولم يكن في الصحابة من يكفرهم لا علي بن أبي طالب ولا غيرهم، بل حكموا فيهم بحكمهم في المسلمين الظالمين المعتدين. 
وقال أيضاً: وهم أول من كفر أهل القبلة بالذنوب بل بما يرونه هم من الذنوب، واستحلوا دماء أهل القبلة لذلك، فكانوا كما نعتهم النبي :" يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان ". وكفّروا علي بن أبي طالب، وعثمان بن عفان ومن والاهما، وقتلوا علي بن أبي طالب مستحلين لقتله، قتله عبد الرحمن بن ملجم المرادي منهم، وكان هو وغيره من الخوارج مجتهدين في العبادة، لكن كانوا جهالاً فارقوا السنة والجماعة. 
فقال هؤلاء: ما الناس إلا مؤمن أو كافر، والمؤمن فعل جميع الواجبات وترك جميع المحرمات، فمن لم يكن كذلك فهو كافر مخلد في النار. ثم جعلوا كل من خالف قولهم كذلك، فقالوا : إن عثمان وعلياً ونحوهما حكموا بغير ما أنزل الله وظلموا فصاروا كفاراً[ ]. 
أما المجتهد المخطئ: كالذي يخطئ في تكفير المسلم عن اجتهاد، وبعد أن يكون قد أعمل نصوص وقواعد الشريعة وما تقتضيه من أحكام، فهذا رغم خطئه فهو معذور، بل له أجر كما قال :" إذا اجتهد الحاكم فأخطأ فله أجر ". 
ونحو ذلك قول عمر بن الخطاب  عن حاطب بن أبي بلتعة  بأنه منافق وأنه قد نافق وكفر وغير وبدل، وذلك لما وشى إلى كفار قريش بسر زحف المسلمين لفتح مكة، مما حمله على أن يستأذن في قطع عنقه لكن النبي  أخبره أن حاطباً ليس منافقاً وأن عقده لا يزال سليماً. وبنفس الوقت لم يقل لعمر قد حكمت على أخيك المسلم بالنفاق والكفر وهو غير ذلك وبالتالي فقد حار النفاق والكفر عليك، وذلك لأن عمر كان مجتهداً في حكمه وقوله هذا.  
ونحوه استئذان خالد بن الوليد النبي  في أن يضرب عنق ذاك الرجل ـ على أنه قد نافق وبدل ـ عندما قال للنبي : اتق الله!! إلا أن النبي  نهاه وقال له:" لعله أن يكون يصلي.. إني لم أؤمر أن أنقب عن قلوب الناس ولا أشق بطونهم ". ولم يقل له قد حار عليك حكمك في الرجل. 
ونحوه قول أسيد بن حضير  لسعد بن عبادة  في حضرة النبي  لما جادل عن رأس النفاق ابن أبي: إنك منافق تجادل عن المنافقين .. فلم يقل النبي  لأسيد قد حار عليك حكم النفاق، وذلك أنه كان مجتهداً في حكمه.
وكذلك قول الصحابة ـ ابتداء ـ في النفر الذين أولوا آية الخمر، وقالوا هي حلال، وكان على رأسهم عبد الله بن مظعون البدري، وكان عمر بن الخطاب قد استشارهم فيهم، فقالوا: يا أمير المؤمنين نرى أنهم كذبوا على الله، وشرعوا في دينهم ما لم يأذن به الله، فاضرب أعناقهم. وهذا يعني أنهم حكموا عليهم بالكفر والارتداد عن الدين. إلا أن الحق كان ما ارتآه علي بن أبي طالب  وحصل فيما بعد إجماع الصحابة عليه، وهو أن يستتابوا فإن تابوا ضربوا ثمانين لشربهم الخمر، وإن لم يتوبوا ضربت أعناقهم، قد كذبوا على الله وشرعوا في دينهم ما لم يأذن به الله. 
والشاهد أن الصحابة الذين حكموا ابتداء عليهم بالكفر والارتداد عن الدين، لا يجوز أن يقال لهم قد حار عليكم حكم الكفر لأنكم كفرتم مسلماً بغير موجب لذلك، وذلك لأن حكمهم كان ناتجاً عن اجتهاد.
ونحو ذلك اختلاف أهل العلم في كفر الخوارج وغيرهم من أهل الأهواء، وبالتالي لا يجوز لمن لا يرى كفرهم أن يقول لمن يرى كفرهم: قد كفرتم المسلمين، ومن كفر مسلماً فقد كفر، وذلك لأن موقفهم ناتج عن اجتهاد وإعمال لقواعد ونصوص الشريعة.   
وكذلك اختلافهم في كفر تارك الصلاة، وغيرها من أركان الإسلام .. فلا يجوز لمن لا يرى كفره أن يقول لمن يرى كفره: قد كفرتم المسلمين ومن كفر مسلماً فقد كفر، وحار عليه حكم الكفر، وذلك لأن حكم الذين يكفرون ناتج عن اجتهاد، ولهم مستند شرعي فيما ذهبوا إليه، وهم مأجورون على اجتهادهم وإن أخطؤوا، والله تعالى أعلم. 

ممن تُحمل عليه القاعدة على ظاهرها فيكون كافرا  لا عزر له الذي يكفر عموم وجميع المسلمين من دون استثناء، كأن يقول: المسلمون كفار أو جميع المسلمين كفار .. فهذا القول كفر ولا يمكن أن يصدر إلا عن كافر حاقد، وذلك من أوجه: 
منها: أن تكفير جميع المسلمين وتضليلهم من دون استثناء لا يمكن أن يصدر إلا عن حاقد مبغض لدين المسلمين .. فلا يمكن أن يتصور من امرئٍ يكفر جميع المسلمين في جميع أمصارهم ثم يكون محباً لدينهم.  
قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ . وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ . وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ . وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلاءِ لَضَالُّونَ . وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ . فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ المطففين:29-34. فهم كفروا وأجرموا لما قالوا عن المؤمنين: إِنَّ هَؤُلاءِ لَضَالُّونَ . فكيف بالذي يقول عنهم: إن هؤلاء لكافرون .. لا شك أنه أولى بالكفر والإجرام.
قال ابن حزم في الملل 3/237: لا خلاف في أن من نابذ جميع المسلمين وقاتلهم لإسلامهم فهو كافر ا- هـ. 
ومنها: أن تكفير جميع المسلمين من دون استثناء فيه رد لعشرات النصوص الشرعية التي تفيد أن هذه الأمة لا يمكن أن تجتمع على ضلالة .. وأن الله تعالى قد تكفل بحفظ دينه .. وأن من هذه الأمة طائفة لا تزال قائمة ظاهرة على الحق وإلى يوم القيامة .. فتكفير عموم المسلمين من دون استثناء فيه إبطال ورد لهذه النصوص الشرعية كلها. 
ومنها: أن تكفير جميع المسلمين من دون استثناء يستلزم الانسلاخ مما يجب على المرء من موالاة للمؤمنين، ومعاداة للكافرين المجرمين .. إذ كيف يوالي المؤمنين وهو يعتقد كفرهم وضلالهم.  
ـ خلاصة القول: مما تقدم يعلم أن قاعدة " من كفر مسلماً فقد كفر " صحيحة لكن ليست على إطلاقها، وأن لها ما يخصصها ويقيدها، وذلك بحسب حال المكفِّر والمكفَّر. 
لذا فمن يريد استخدام هذه القاعدة ويحملها على أعيان من الناس لا بد له من أن يراعي التفصيل المتقدم .. لكي لا يضع القاعدة في غير موضعها المناسب، وحتى لا يجد نفسه مضطراً لتكفير إخوانه بل والخواص من الدعاة وأهل العلم، وهو لا يعلم.  

واستكمالا لردود الشيخ على هؤلاء الغلاة فى تكفير العالم له رد على بعض الاسئله المطروحة عليه نذكره هنا لزيادة التأكيد
بسم الله الرحمن الرحيم
لايقعدنكم المرجفون فلقد روي عنه ﷺ(سيأتي على الناس زمان يقول فيه قراؤهم ليس هذا بزمان جهاد فمن أدرك ذلك،فنعم زمان الجهاد هو)
إنه لا ينبغي إغفال دلالة السياق في تفسير الن   ص، وفي بيان مراد
المتكّلم من كلامه.

الأسود
 أنه قا ل: سمعت رسول الله  يقو ل: (لا يبقى على ظهر الأرض بيت مدرٍ ولا وبر إلا أدخله الله كلمة ا لإسلام، بعز عزيز أو ذلّ ذليل، إما يعزهم الله عز وجلّ فيجعله م من أهلها، أو يذلّهم
فيدينون لها).


الحمد لله رب العالمين.

الكفر بالطاغوت حق، وهو شرط لصحة الإيمان، فهذا أمر مسلَّم به، لا يُجادل فيه موحد.

ولكن المشكلة تكمن عندما يوضع هذا الأمر في غير موضعه، ويُحمل على من لا يجوز أن يُحمل عليه، أو يُحمَّل من المعاني السقيمة المخالفة للشريعة وقواعدها، فيحصل حينئذٍ الإفراط أو التفريط!

والقول بأن المسلمين في مجتمعاتهم اليوم الأصل فيهم الكفر، ومن لا يكفرهم أو يقول بهذا القول فهو كافر؛ لا يقول به عالم، بل ولا مسلم عاقل يعز عليه دينه، وهو من جملة أقوال ومعتقدات خوارج وغلاة هذا العصر.

فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من صلى صلاتنا واستقبل قبلتنا، وأكل ذبيحتنا فذاك المسلم له ذمة الله وذمة رسوله) [البخاري].

وقد أجمع أهل العلم؛ على أن المرء يدخل الإسلام ويُحكم له بالإسلام إذا نطق بشهادة التوحيد، أو رؤي يصلي صلوات عدة، وإن لم يُعرف عنه الإقرار باللسان.

قال القرطبي في كتابه "الجامع" [8/207]: (الإيمان لا يكون إلا بلا إله إلا الله دون غيره من الأقوال والأفعال، إلا في الصلاة، قال إسحاق بن راهويه: ولقد أجمعوا في الصلاة على شيء لم يجمعوا عليه في سائر الشرائع، لأنهم أجمعهم قالوا: من عُرف بالكفر ثم رأوه يصلي الصلاة في وقتها حتى يصلي صلوات كثيرة ولم يعلموا منه إقراراً باللسان، أنه يُحكم له بالإيمان) اهـ.

ومشكلة هؤلاء الغلاة الجهلة - الذين ورد السؤال عنهم - أنهم لا يميزون بين القدر الذي يدخل المرء به الإسلام، وبين القدر الذي به يستمر له حكم الإسلام، وبين القدر الذي يرفع عنه السيف في أجواء القتال!

فالقدر الذي يُدخل المرء الإسلام؛ هو شهادة التوحيد، وكذلك إقامة الصلاة - كما تقدم -

والقدر الذي به يستمر له حكم الإسلام؛ أن يُحافظ على إقامة الصلاة، وأن لا يُعرف عنه أنه قد أتى ناقضاً من نواقض الإيمان والتوحيد.

والقدر الذي يرفع عنه السيف في أجواء القتال؛ أن يقول أي عبارة تدل على أنه يريد الدخول في الإسلام؛ كأن يقول: "صبأت"، أو "السلام عليكم"، أو "أنا منكم"، ونحو ذلك من العبارات، فهذه العبارات لا تُدخل صاحبها في الإسلام، لكنها ترفع عنه السيف في أجواء القتال إلى أن يُعلَّم الكلمات الصحيحة التي تُدخله الإسلام.

لذا نجد أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أنكر على خالد بن الوليد رضي الله عنه أشد الإنكار لما قتل أولئك النفر الذين قالوا له: "صبأنا، صبأنا"، وكانوا يريدون أن يقولوا أسلمنا، إلا أنهم لم يُحسنوا التعبير فقالوا صبأنا، فلم يقبل منهم خالد رضي الله عنه فقتلهم، فأنكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم وتبرأ من فعله، وقال: (اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد) - مرتين - وأمر بدفع دية القتلى.

وكذلك قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً} [النساء: 94]، فأمر الله تعالى بالتثبت والتبين ممن يلقي السلام على المسلمين المجاهدين في أجواء القتال، ويدع قتالهم، وأن لا يستعجلوا قتله، لاحتمال أن يكون مؤمناً أو أنه يريد الدخول في الإسلام، فأخطأ التعبير فابتدأ بالسلام بدلاً من شهادة التوحيد.

كذلك ليس من الإسلام في شيء؛ أن لا تقبل إسلام العباد إلا بعد أن تختبر اعتقادهم، وتحملهم على أقوال واعتقادات معينة، فهذا ليس من دين الله في شيء ولم يقل به عالم معتبر، وهو من قول أهل البدع والزيغ والضلال.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى: (ليس من شروط الإتمام أن يعلم المأموم اعتقاد إمامه، ولا أن يمتحنه؛ فيقول: ماذا تعتقد؟ بل يصلي خلف مستور الحال، وقول القائل لا أصلي خلف من لا أعرفه، كما لا أسلم مالي إلا لمن أعرفه؛ كلام جاهل لم يقله أحد من أئمة الإسلام).

وقال: (وتجوز الصلاة خلف كل مسلم مستور باتفاق الأئمة الأربعة وسائر أئمة المسلمين، فمن قال: لا أصلي جمعة ولا جماعة إلا خلف من أعرف عقيدته في الباطن، فهذا مبتدع مخالف للصحابة والتابعين لهم بإحسانٍ وأئمة المسلمين الأربعة وغيرهم) اهـ.

فإذا كانت الصلاة تصح خلف مستور الحال، ولا يُشترط للصلاة خلفه معرفة اعتقاده أو اختباره وامتحانه، فمن باب أولى؛ أن تحكم بإسلامه، وإسلام غيره ممن يُظهرون الإسلام وتجهل اعتقاداتهم، ومن دون أن تختبرهم أو تحملهم على أقوال أو اعتقادات معينة.

والأدلة التي استدلوا بها - الواردة في السؤال - ليس منها شيء يُخالف ما تقدم ذكره.

وإليك بيان وتفصيل ذلك:

قولهم: (ويحتجوّن على ذلك بأن الأنبياء عليهم السلام جاءوا إلى أقوامهم ودعوهم إلى الكفر بالطاغوت والإيمان بالله، فمن أجاب حكم له بالإسلام، ومن امتنع بقي على كفره...).

أقول: تلك الأقوام التي بُعثت إليها الأنبياء بدعوة التوحيد، هل كانوا - قبل أن يستجيبوا أو يستجيب بعضهم لدعوة التوحيد - ممن يشهدون أن لا إله إلا الله ويُقيمون الصلاة، أم أنهم كانوا من عبدة الأوثان والطواغيت، وممن يجحدون شهادة التوحيد، ولم يعرفوا طعم الإيمان؟

الجواب لا بد أن يكون؛ أنهم كانوا من عبدة الأوثان والطواغيت، وممن يجحدون شهادة التوحيد، ولم يعرفوا الصلاة لله عز وجل ولا طعم الإيمان!

وإن كان الجواب كذلك، أقول: كيف يُحمل حال وواقع من كان من عبدة الأوثان والطواغيت، وممن يجحدون شهادة التوحيد، ولم يعرفوا الصلاة لله عز وجل ولا طعم الإيمان قط، على من أقر بالتوحيد، وأقام الصلاة، ولم يُعرف عنه ما يُنقض توحيده وإيمانه، كما هو حال المسلمين في مجتمعاتهم في هذا الزمان؟!

لذا فالاستدلال في واد، والمسألة المستدل عليها في وادٍ آخر ومختلف!

عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: (ما أعرفُ منكم شيئاً كنت أعهدهُ على عهدِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم ليس قولكم لا إله إلا الله!)، قلنا: بلى يا أبا حمزة؛ الصلاة؟ فقال: (قد صليتم حين تغرب الشمس، أفكانت تلك صلاةُ رسول الله صلى الله عليه وسلم؟!).

وعن الحسن البصري قال: (لو أنَّ رجلاً أدرك السلف الأول، ثم بُعث اليوم ما عرف من الإسلام شيئاً إلا هذه الصلاة)!

وعن ميمون بن مهران قال: (لو أنَّ رجلاً أُنشر فيكم من السلف، ما عرف فيكم غير هذه القبلة)!

وعن أم الدرداء قالت: (دخل عليَّ أبو الدرداء رضي الله عنه وهو غضبان، فقلت له: ما أغضبك؟ فقال: والله ما أعرف فيهم من أمرِ محمدٍ شيئاً إلا أنهم يُصلون جميعاً)!

وعن عيسى بن يونس، عن الأوزاعي، عن حبان بن أبي جبلة، عن أبي الدرداء قال: (لو خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إليكم اليوم، ما عرف شيئاً مما كان عليه هو وأصحابُه إلا الصلاة)! قال الأوزاعي: (فكيف لو كان اليوم؟!)، قال عيسى: (فكيف لو أدرك الأوزاعي هذا الزمان؟!).

قلت: رغم هذا الواقع المرير الذي ينقله الصحابة والتابعون لهم بإحسان عن مجتمعاتهم التي كانوا يعيشون فيها، وعن غربة الدين في تلك المجتمعات، إلا أنهم لم يكونوا يصفون تلك المجتمعات بالكفر، وأن من فيها كفار مرتدون لا بد من أن يُدعوا من جديد إلى الإيمان بالله والكفر بالطاغوت، وأن من لا يقول بهذا القول أو يعتقد به؛ فهو كافر مرتد، فهذا لم يفعله الصحابة ولا التابعون، وحاشاهم أن يفعلوا ذلك!

قولهم: (وكذلك في عهد مسيلمة الكذاب من كان تحت حكمه فهو في دار الكفر وكل شخص هناك حكمه الكفر حتى يُظهر إسلامه بكفره بالطاغوت مسيلمة والإيمان بالله، ويستدلون بقصة خالد بن الوليد رضي الله عنه مع مُجاعة في ذلك الوقت،حيث لم يعترف خالد بإسلامه لمّا أمسكه لأنه لم ينكر على الطاغوت...).

أقول: كل من كان تحت حكم مسيلمة الكذاب وسلطانه، وتابعه على كفره وكذبه وتكذيبه فهو كافر مرتد، وليس كل من كان تحت حكمه وفي سلطانه كذلك، إذ كان فيهم المكره والمستضعف، والمعتزل لمسيلمة وكفره المظهر لدينه وتوحيده، وهؤلاء لهم حكم آخر.

وخالد أنكر على مجاعة لكونه؛ كان من أعز أهل اليمامة، ولم يبد عذراً، ولم يرسل له رسولاً يخبره إن كان خائفاً من قومه ومن مسيلمة أم لا، مما دل أن خالد بن الوليد رضي الله عنه كان يقيل عثرة من كان هذا وصفه، ومع ذلك فخالد رضي الله عنه لم يحكم بردة مجاعة وعفا عنه، وقال له: (قد عفوت عن دمك، ولكن في نفسي حرج من تركك)، لما رأى من صدق لهجته!

فإن عُلم ذلك، هل المسلمون في زماننا ممن يشهدون شهادة التوحيد ويقيمون الصلاة، ولم يُعرف عنه ما يُخرجهم من الملة، هم كمن آمن بمسيلمة الكذاب وبنبوته، وكذب محمداً صلى الله عليه وسلم؟!

فإن كان الجواب: لا - وهو كذلك - عُلم أن الاستدلال في واد وأن المسألة المستدل عليها في وادٍ آخر ومختلف.

ويُمكن أن يُقال كذلك: كان في عهد خالد بن الوليد توجد الدولة الإسلامية والأرض الإسلامية التي يُمكن اللجوء والهجرة إليها، والتي بها يتمايز الصفان، فهل في زماننا توجد الأرض أو الدولة الإسلامية التي نحمل الناس على الهجرة إليها ليتمايز أتباع الطاغوت وجنده ممن سواهم؟!

فإن قيل: لا... لا يوجد، أقول: إذاً لا تحمل هذا على ذاك ولا تقس عليه!

قولهم: (وعندهم الدخول في الإسلام لا يكون بقول لا إله إلا الله فقط، ويردّون على قصة أسامة رضي الله عنه لمّا قتل الرجل، بأن ذمّ النبي صلى الله عليه وسلم له ما كان لأن أسامة قتل مسلماً بعد أن قال كلمة التوحيد، ولو كان الأمر كذلك لأقيم على أسامة الحد، ولمّا لم يحدث ذلك، فهمنا أن الرجل المقتول لم يدخل في الإسلام بنطقه كلمة التوحيد، وأن الذمّ لأسامة كان على شيء آخر وهو التسرّع في القتل مثلاً...).

أقول: حديث أسامة وعدم إقامة حد القتل على أسامة رضي الله عنه؛ لا يعني ولا يُفيد بأن الذي قال لا إله إلا الله لا يدخل الإسلام، وإنما يُفيد أن من قال لا إله إلا الله يدخل الإسلام ويُرفع عنه السيف في أجواء القتال، بدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم لأسامة: (كيف تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة)، أي جاءت تُحاججك وتتشفع لصاحبها وتُجادل عنه، وهي لا تتشفع إلا لمسلم موحد، ولا تُجادل إلا عن مسلم موحد!

فإن قيل: لماذا إذاً لم يقم النبي صلى الله عليه وسلم حد القتل على أسامة؟!

أقول: الذي أقال عثرة أسامة رضي الله عنه أنه كان متأولاً، لا يعلم أن من قال لا إله إلا الله في أجواء القتال ترفع عنه السيف؛ لاحتمال أن يكون متعوذاً قد قالها تقية وفرقاً من القتل لينجو، فلأجل ذلك أقال النبي صلى الله عليه وسلم عثرته بعد أن زجره ذلك الزجر البليغ، حتى أن أسامة رضي الله عنه - لشدة ما أغلظ عليه النبي صلى الله عليه وسلم منكراً عليه سوء صنيعه - قال: (حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم)!

مما يدل على ذلك حديث المقداد بن الأسود - فالسنة تفسر بعضها بعضاً - قال: يا رسول الله أرأيت إن لقيت رجلاً من الكفار فقاتلني فضرب إحدى يدي بالسيف فقطعها، ثم لاذ مني بشجرة، فقال: أسلمت لله، أفأقتله يا رسول الله بعد أن قالها؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تقتله)، قال: فقلت يا رسول الله إنه قد قطع يدي ثم قال ذلك بعد أن قطعها، أفأقتله؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تقتله فإن قتلته فإنه بمنزلتك قبل أن تقتله، وإنك بمنزلته قبل أن يقول كلمته التي قال) [متفق عليه].

قال النووي في "الشرح" [2/106]: ("فإن قتلته فإنه بمنزلتك قبل أن تقتله، وإنك بمنزلته قبل أن يقول كلمته التي قال"؛ فأحسن ما قيل فيه وأظهره ما قاله الإمام الشافعي، وابن القصار المالكي وغيرهما، أن معناه فإنه معصوم الدم محرم قتله بعد قوله لا إله إلا الله كما كنت أنت قبل أن تقتله، وإنك بعد قتله غير معصوم الدم ولا محرم القتل كما كان هو قبل قوله لا إله إلا الله) اهـ.

قلت: كونه معصوم الدم يعني أنه مسلم، وأن قوله أسلمت لله أو لا إله إلا الله قد نفعه وعصم دمه وماله كأي مسلم آخر، والذي جعل الصحابي غير معصوم الدم - لو قتله - هو أن الحجة الشرعية التي تُحرم قتل من كان هذا وصفه قد بلغته، فلم يعد يُعذر بالجهل ولا بالتأويل.

لذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم له في المرة الثانية: (فإن قتلته، إنك بمنزلته قبل أن يقول كلمته التي قال).

بينما أسامة رضي الله عنه لم تكن الحجة الشرعية قد بلغته فيما قد خالف فيه مجتهداً، فعُذر بالجهل والتأويل، والله تعالى أعلم.

أما قولهم: (وأيضاً يقولون إن اليهود كانوا يقولون لا إله إلا الله فلم تنفعهم ولم يدخلوا بها الإسلام حتى يخرجوا من كفرهم الذي وقعوا فيه...).

أقول: ليس الأمر كذلك، وإنما الذي حصل أن طائفة من اليهود اتفقوا فيما بينهم على أن يُظهروا الإيمان والصلاة أول النهار، ويُظهروا الكفر والارتداد آخره، ليجرئوا الناس على الردة ويصدوهم عن سبيل الله، كما قال تعالى عنهم: {وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [آل عمران: 72].

قال ابن كثير في التفسير: (ليقول الجهلة من الناس: إنما ردهم إلى دينهم اطلاعهم على نقيصة وعيب من دين المسلمين).

ولما أنزل الله تعالى حكم وحد الردة؛ توقفوا عن هذا المكر والكيد، لكن أين الدليل مما تقدم على أن من قال لا إله إلا الله لا تنفعه ولا تدخله الإسلام، فالآية تتكلم عن قوم يُظهرون الإيمان والتوحيد في أول النهار وفي آخره يُظهرون الكفر والردة، والمسألة المستدل عليها، قوم أظهروا شهادة التوحيد وأقاموا الصلاة، ولم يُظهروا ضده من الكفر والشرك والردة؟!

وبالتالي فالدليل المذكور في واد، والمسألة المختلف عليها في وادٍ آخر ومختلف، لا يحمل هذا على ذاك إلا جاهل من ذوي الجهل المركب.

هذا ونرجو من الله ان يطلع من يريد الحقيقه على هذه الادله كاملة ليظهر له فساد منهج هؤلاء الغلاة وان يهديهم الله للحق ان كانوا يريدون الحق
والله المستعان ونستكمل باقى الردود فى مواضيع اخرى فتابعونا
وصلى اللهم على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم 




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

بسم الله الرحمن الرحيم
(( مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ))