Translate

الثلاثاء، 27 يناير 2015

ثامنا الجزء الثامن رد ابو محمد المقدسى على من يدعون تكفير العالم ردا شافيا وموضحا لكل ما يلتبس عليكم لمن اراد الحق

بسم الله الرحمن الرحيم
انّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم. 
اما بعد
فإن أحسن الحديث كلام الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثةٍ بدعة وكل بدعةٍ ضلالة وكل ضلالةٍ في النار. 
فبعد ان تناولنا فى الموضوعات السابقه فى الموضوع الاول نقض الدليل الذى استندوا اليه فى مذهبهم واستاندهم الى اية سورة النساء واثبات بطلان استدلالهم وبالتالى بطلان ما يقولون به وفى الموضوع الثانى تكلمنا عن حكم الديار وما قاله فيها علماء السلف وان اثبات الحكم على الديار بانطباقه على السكان لم يقل به اى عالم معروف او مشهود له بتقوى الله وفى الموضوع الثالث تكلمنا عن الحد الذى يثبت به اسلام الفرد وعصمة دمه وماله وتناولنا الاحاديث والايات المثبته لذلك وفى الموضوع الرابع تكلمنا عن قاعدة القواعد فى الاسلام العمل بالظاهر وما يدل عليها من ادله واسانيد  وفى الموضوع الخامس تكلمنا عن رد الامام ابن تيميه وانه لا يوجد من يقول بمثل هذا القول وفى الموضوع السادس تكلمنا عن الرد على من يٌنزل حكم البعض على الكل بما يفيد علمه الغيب والعياذ بالله من الكفر  وفى الموضوع السابع تكلمنا على الطائفة المنصوره واستمرار المسلمين الظاهرين والمجاهدين الى ان يعلو دين الله فوق كل الشرائع الباطله بالمناقضه لقول هذه الفرقه التى تدعى الغربه والركون الى الدنيا  وتدعى عدم وجود جهاد
وباذن الله هنا سنتناول هنا رد امام السلفيه الجهاديه ابو محمد المقدسى امام الدعوه الى تحكيم شرع الله والكفر بالطواغيت وامام الدعوه الجهاديه ومن لا يعرف المقدسى فليقم بزيارة صفحته ومؤلفاته على هذا الرابط   http://www.tawhed.ws/a?a=2qrikosd          تناول امام الدعوه الجهاديه ابو محمد المقدسى الرد على هذه الفئه التى تحكم بكفر العالم من جميع الجوانب  وذلك بالاستناد الى كتاب الله وسنة نبيه واراء العلماء  وكذلك من خلال الواقع ومواجهته اياهم  ببطلان منهجهم وقام موقع منبر التوحيد بنشر هذا الرد من خلال الرساله الثلاثينيه لمنع الغلو فى التكفير   وكان رده تحت عنوان الاخطاء الوارده فى التكفير ومن هذه الاخطاء التكفير بناء على ان الاصل فى الناس الكفر لان الديار اصبحت ديار كفر          
وارجوا ممن يريد معرفة الحق الا يبخل على نفسه باكمال القرأة للموضوع وباقى المواضيع الاخره ولا يستكثر عدد الصفحات هذا ان كان يريد الحق اما ان كان لا يرد الحق فليعرض   ( سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ )  والله المستعان .


التكفير بناء على قاعدة (الأصل في الناس الكفر) لأن الدار دار كفر 

ومن الأخطاء الشنيعة في التكفير؛ التكفير بناء على قاعدة (الأصل في الناس الكفر) لان الدار دار كفر ومعاملتهم واستحلال دماءهم وأموالهم وأعراضهم بناء على هذه القاعدة ، التي أصلوها تفريعاًعلى أن الدار دار كفر ، وهذا أمر منتشر بين كثير من الغلاة ، وقد تحمله بعض الجهال عنهم دون أن يعرفوا أصله وتبعاته ، ونحن ولله الحمد والمنة لم نقل بهذا التأصيل ولا تبنيناه في يوم من الأيام ، بل كنا –ولازلنا- من أشد المنكرين له ، حتى كفرني بعض غلاة المكفرة  ، لما خالفتهم فيه ، وناظرتهم في إبطاله ، ويومها لم أجد عندهم ما يحتجون به لتأصيلهم هذا ، إلا عبارة مبتورة لشيخ الإسلام ابن تيمية اقتطعوها من فتوى له حول بلدة ماردين ، وهي قوله فيها: ( ولا بمنزلة دار الحرب التي أهلها كفار ) وقد حرفوها فجعلوها ( دار الكفر التي أهلها كفار ) فخرجوا من ذلك أن كل دار كفر  – ولو كانت طارئة حادثة لا أصلية – فأهلها كلهم كفار ، إلا من عرفوا تفاصيل معتقده.. وقد بينت لهم يومها أن هذه اللفظة – خصوصا في ماردين وأمثالها من دور الكفر الطارئة – ما هي إلا اصطلاح للفقهاء للدار التي غلب عليها الكفار وعلتها أحكامهم.. ولا دخل لقاطنيها بوصف الكفر إلا من ارتكب سببا من أسباب التكفير..
وذكرت لهم بعض التفصيل الآتي ، ولكنهم لم يرفعوا بذلك رأسا ، وأصروا على التمسك بتلك العبارة.. فعجبت كيف يقلب الهوى الموازين ، ويجعل من يقر بعدم حجية قول الصحابي ولا يقبل قول غيره من أهل القرون الثلاثة المفضلة في فرع من الفروع ، يحتج بقول مبتور مقتطع من كلام عالم في القرن السابع ، وفي مسألة هي من أخطر أبواب الدين ، عندما يظن أن ذلك القول يوافق هواه ، أو يحقق رغبته وحاجته.. !! مع أنهم يقرون بأن جميع الخلق بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم يحتج لكلامهم ولا يحتج به ، ويحتاج إلى الدليل والبرهان وليس هو وحده بدليل ولا برهان..
وقد بين الله عز وجل بعض دوافع النفس وأهوائها ، في الاندفاع نحو التكفير والتسرع فيه أحيانا ، في قوله تعالى: (( ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا )) ؛ فقال: (( تبتغون عرض الحياة الدنيا )).. وكذلك كانت رغبات أولئك الأغرار الذين كنت أناظر بعضهم ، فقد كانوا يتحينون أسهل وأقرب فرصة لانتهاب أو سرقة ما يقع تحت أيديهم من أموال وممتلكات من حكموا عليهم بالكفر ، حتى وإن كانوا من الدعاة والمجاهدين ، أو من المسلمين المستضعفين ، فأموالهم عندهم غنائم ، وقد شاهدت من ذلك أمثلة ، وفي آخر الأمر اقتتلوا هم فيما بينهم واختلفوا على بعض الأموال.. ‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍!!
أسأل الله تعالى أن يهديهم سواء السبيل ، وأن يجنب شباب المسلمين هذه الفتن المضلة.. ‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍إذ الجرأة على تكفير المسلمين وإباحة دماء الموحدين وأموالهم من غير موجب شرعي ، لا تقدم عليه إلا النفوس المريضة التي لم تشم رائحة الورع والتقوى..
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع: ( إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا )
وقال أيضا فيما يرويه البخاري ومسلم: ( لا يحل دم امريء مسلم إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني ، والنفس بالنفس ، والتارك لدينه المفارق للجماعة ).
وقال صلى الله عليه وسلم: ( لن يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دما حراما ) رواه البخاري من حديث ابن عمر
وفيه: وقال ابن عمر: ( إن من ورطات الأمور التي لا مخرج لمن أوقع نفسه فيها سفك الدم الحرام بغير حله )
وفي البخاري أيضا سأل ميمون بن سياه أنس بن مالك ، قال: يا أبا حمزة ، ما يحرم دم العبد وماله ؟
فقال: ( من شهد أن لا إله إلا الله ، واستقبل قبلتنا ، وصلى صلاتنا ، وأكل ذبيحتنا فهو المسلم ، له ما للمسلم وعليه ما على المسلم )
وتقدم ما ذكره القاضي عياض في الشفا (2/277) عن العلماء المحققين قولهم:  ( إن استباحة دماء المصلين الموحدين ، خطر ، والخطأ في ترك ألف كافر أهون من الخطأ في سفك محجمة من دم مسلم واحد ) أهـ.
ونقل عن القابسي قوله: ( ولا تهراق الدماء إلا بالأمر الواضح ، وفي الأدب بالسوط والسجن نكال للسفهاء.. ) أهـ. (2/262).
ولو انشغل هؤلاء في طلب العلم الشرعي وتقليب كتب العلماء ومطالعة الأصول والفروع ، لعرفوا أن دون إباحة الدم والمال وإن صدر القول أو الفعل المكفر ؛ مراحل وشروط وموانع قد تمنع من التكفير فضلا عن الإباحة.. خصوصا في أمثال من تسلطوا عليهم من المستضعفين أو الدعاة والمؤمنين غير الممتنعين بشوكة الطواغيت أو أنظمتهم وقوانينهم.. وأنه لا يلزم من الحكم على الفعل أو القول بالكفر ، تكفير المعين – كما تقدم – ومن ثم فلا تترتب على الحكم آثاره التي يهوونها ويشتهونها ويبتغونها..
أضف إلى هذا أن جمهور العلماء ، بل ذكر ابن المنذر إجماعهم ؛ على أن مُلك المرتد لا يزول بمجرد ردته(1) إذا كانت ردته غير مغلظة ولا كان ممتنعا ، فإنه يستتاب والحالة كذلك ، وقد يرجع إلى الإسلام.
وكل من تأمل فتوى شيخ الإسلام التي اجتزؤوا منها حجتهم ، وجدها من أولها إلى آخرها حجة عليهم ، فقد سئل رحمه الله عن بلدة ماردين التي احتلها التتار وتغلبوا عليها وفيها أناس مسلمون …. فأجاب رحمه الله: ( الحمد لله دماء المسلمين وأموالهم محرمة حيث كانوا في ماردين أو غيرها … والمقيم بها إن كان عاجزا عن إقامة دينه وجبت الهجرة عليه ، وإلا استحبت ولم تجب … ) إلى قوله: ( ولا يحل سبهم عموما ورميهم بالنفاق ، بل السب والرمي بالنفاق يقع على الصفات المذكورة في الكتاب والسنة فيدخل فيها بعض أهل ماردين وغيرهم(2) وأما كونها دار حرب أو سلم ، فهي مركبة: فيها المعنيان ، ليست بمنزلة دار السلم التي تجري عليها أحكام الإسلام  لكون جندها مسلمين ، ولا بمنزلة دار الحرب التي أهلها كفار ، بل هي قسم ثالث يعامل المسلم فيه بما يستحقه ، ويقاتل الخارج عن شريعة الإسلام بما يستحقه ) أهـ. مختصرا من مجموع الفتاوى (28/135).
فهو يقرر:
-       أن دماء المسلمين وأموالهم ، الأصل الأصيل فيها ؛ هو الحرمة والعصمة حيث كانوا ، ولا دخل للدار أو البلدة في ذلك ، بل مناط تلك العصمة إظهار المرء للإسلام ، لا إظهار الدار للإسلام.
وأنه لا يحل رمي المسلمين بشيء من صفات النفاق ونحوها ، لمجرد كون                    الدار قد صارت تحت غلبة الكفار ، دون أن يحدث أولئك المسلمون أمرا.
وأن الدار التي سئل عنها وأمثالها ، وإن كان ينطبق عليها وصف الفقهاء لدار الكفر لغلبة الكفار عليها ، إلا أنها بالنسبة للحكم على أهلها مركبة.
 فليست هي كدار الإسلام الأصلية التي يتميز فيها أهل الكتاب بالغيار ( أي اللباس الذي يميزهم ) ولا يقر المرتد فيها بحال.. فالأصل في كل من عدا أهل الكتاب من ساكنيها ، أنه من المسلمين ولذلك أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يسلم المرء في مثلها على من يعرف ومن لا يعرف(3).. ولذلك نص الفقهاء واستدلوا كثيرا في فروع الفقه بمقولة: ( الأصل في دار الإسلام الإسلام )..
ولا هي أيضا بمنزلة دار الحرب التي أهلها كفار  ولم تكن يوما دار إسلام  ولا كان جمهور أهلها مسلمين.. فهي إذن ليست دار كفر أصلية ، بل قد كانت قبل تغلب الكفار عليها دار إسلام وجمهور أهلها من المسلمين.. ولذلك لم ينط الحكم على أهلها ومعاملتهم تبعا لشيء من تلك الاصطلاحات لعدم انضباطها ، بل من أظهر الإسلام عصم ماله ودمه وعومل معاملة المسلمين ، ومن خرج عن شريعة الإسلام عومل بما يستحقه.. فكلامه رحمه الله واضح لا لبس فيه..
ولكن الأمر كما ذكر رحمه الله في موضع غير هذا.. أن اجتماع الشهوة مع الشبهة يقوي الدافع إلى الشبهة ويورث فساد العلم والفهم..

والقوم وجدوا في ذلك الفهم السقيم ، ما يثبت شبهاتهم ويسوغ شهواتهم ( الغنائمية)
فتمسكوا بقوله ( ولا بمنزلة دار الحرب التي أهلها كفار ) ؛ فجعلوا الكفر هو الأصل في أهل كل دار تدخل تحت اصطلاح دار الكفر ولو كان وصف الكفر فيها طارئا لغلبة الكفار على أحكامها.. فكفروا أهلها كلهم ولو كان جمهورهم من المنتسبين للإسلام.. وتمسكوا بذلك وأصروا عليه..
  هذا وقد كنت تتبعت قديما مصطلح دار الكفر ودار الإسلام وجمعت أقوال كثير من العلماء وتعريفهم للدار ، ونظرت في أثر هذا الاصطلاح عندهم على قاطنيها ، فلم أجد عند أحد من العلماء المحققين شيئا من هذا الذي رامه هؤلاء.. خصوصا في دار الكفر الطارئة التي كان جمهور أهلها مسلمين..
نعم وجدت شيئا شبيها بمقالاتهم.. عند بعض طوائف الخوارج الضلال..
فالأزارقة أصحاب (نافع بن الأزرق) قالوا: ( إن من أقام في دار الكفر فهو كافر ، لا يسعه إلا الخروج ) ، ومعلوم أنهم يرون أن دار مخالفيهم من المسلمين  دار كفر.
والبيهسية والعوفية قالوا: ( إذا كفر الإمام كفرت الرعية الغائب منهم والشاهد ) وهذا كله من سخفهم وجهلهم ، وسنأتي على ذكره في الفصل الرابع من هذا الكتاب..
أما العلماء المحققين ، فقد تدبرت أقوال كثير منهم ، فلم أجد عندهم شيئا من هذه الإطلاقات ؛ ولا يعكر على إطلاقي هذا ما ورد في أحكام القرآن للجصاص وغيره ، مما قد يظنه المتعجل شبيها بذلك ، فليس هو من هذا الباب ، وذلك لكونه ورد في أرض العدو التي يعنون بها دار الحرب أو الكفر الأصلية ، وفي ظل وجود دار إسلام وجماعة المسلمين الذين يقدر المسلم على التحول إليهم ثم هو يفرط في ذلك ويبقى مكثرا لسواد أهل الشرك.
 أما إطلاق تلك القاعدة وذلك الاصطلاح وإعماله مطلقا في قاطني الدار التي طرأ عليها الكفر مع أن جمهور أهلها من المنتسبين للإسلام  ، دون اعتبار لاستضعاف المسلمين وعدم وجود دار إسلام يهاجر ويأوي إليها المسلم ، ودون أن يتواطأ المسلم أو يعين على كفر ، فهذا ما لم أجده بحال ، وأعجبني في خاتمة المطاف قول الشوكاني في السيل الجرار: ( اعلم أن التعرض لذكر دار الإسلام ودار الكفر قليل الفائدة جدا ، لما قدمنا لك في الكلام على دار الحرب ، وأن الكافر الحربي مباح الدم والمال على كل حال ما لم يؤمّن من المسلمين ، وأن مال المسلم ودمه معصومان بعصمة الأسلام في دار الحرب وغيرها ) أهـ. (4/576).

فهذا الذي يهمنا من ذلك ، وهو موافق لخلاصة كلام شيخ الإسلام في أهل ماردين وغيرهم..
والعلماء جميعهم على ذلك.. فأنت تخرج من تتبع تعريفاتهم لدار الكفر ودار الإسلام ، بأن هذه المسميات اصطلاح فقهي لا أثر له في الحكم على من أمكن معرفة دينه من قاطني الديار ، وأن من أظهر الإسلام ولم يأت بناقض من نواقضه الظاهرة معصوم الدم والمال حيث كان..
وتعريفاتهم وإن تفاوتت بعض التفاوت ، فجمهورهم على أن هذا المصطلح يطلق تبعا للأحكام والغلبة التي تعلو الدار، فإن كانت تعلو الدار أحكام الكفر أو أن الغلبة فيها للكفار فقد اصطلحوا على تسميتها دار كفر، وإن كان أكثر أهلها من المسلمين.. وإن كانت الغلبة فيها والأحكام للمسلمين فهي دار إسلام وإن كان أكثر قاطنيها من الكفار، كما يكون الحال في البلاد التي يسكنها أهل الذمة ويحكمها المسلمون..
قال ابن حزم (456هـ): (وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " أنا بريء من كل مسلم أقام بين أظهر المشركين " إنما عنى بذلك دار الحرب ، وإلا فقد استعمل عليه السلام عماله على خيبر وهم كلهم يهود ، وإذا كان أهل الذمة في مدائنهم لا يمازجهم غيرهم فلا يسمى الساكن فيهم لإمارة عليهم أو لتجارة بينهم كافرا ولا مسيئا بل هو مسلم محسن ، ودارهم دار إسلام لا دار شرك ، لأن الدار إنما تنسب للغالب عليها والحاكم فيها والمالك لها ) أهـ المحلى (11/200).
وقال القاضي أبو يعلى الحنبلي(458هـ): ( كل دار كانت الغلبة فيها لأحكام الكفر دون أحكام الإسلام فهي دار كفر ) أهـ. المعتمد في أصول الدين ص(276).
وقال ابن القيم(751هـ): ( ما لم تجر عليه أحكام الإسلام لم يكن دار إسلام وإن لاصقها ، فهذه الطائف قريبة إلى مكة جدا ولم تصر دار إسلام بفتح مكة ) أهـ أحكام أهل الذمة (1/366).
وقال الشوكاني (1250هـ) في السيل الجرار (4/575): (الاعتبار بظهور الكلمة فإن كانت الأوامر والنواهي في الدار لأهل الإسلام ؛ فهذه الدار دار إسلام ولا يضر ظهور الخصال الكفرية فيها لأنها لم تظهر بقوة الكفار ولا بصولتهم ، كما هو مشاهد في أهل الذمة من اليهود والنصارى والمعاهدين الساكنين في المدائن الإسلامية ، وإذا كان الأمر بالعكس فالدار بالعكس ) أهـ.
وقال سليمان بن سحيمان (1349هـ) شعراً: -
إذا ما تغلب كافر متغلب على                 دار إسلام  وحل  بها الوجل
وأجرى بها أحكام كفر علانيا                 وأظهرها فيها جهاراً بلا مهل
‍    وأوهى بها أحكام شرع محمد                  ولم يظهر الإسلام فيها وينتحل
فذي دار كفر عند  كل محقق                 كما قال  أهل  الدراية  بالنحل
وما  كل من فيها يقال بكفره               فرب امرئ فيها على صالح العمل
فأنت ترى من مطالعة هذه التعريفات وغيرها أنهم اصطلحوا على هذا المصطلح كدلالة على نوع الغلبة والأحكام التي تعلوا الدار ، وينبهون كما رأيت غالباً على أن المسلم معصوم الدم والمال حيث كان وأنه لا أثر لقاطني الديار ، إسلام أكثرهم أو كفرهم في الحكم على الدار ، كما وأنه لا أثر للحكم على الدار وحده في إسلامهم أو كفرهم.. خصوصا إذا كانت دار كفر حادثة طارئة ، لا أصلية..
وما كل من فيها يقال بكفره             فرب امرئ فيها على صالح العمل
كما قال ابن سمحان..
·     ولقد فتح النبي صلى الله عليه وسلم خيبر عام 7هـ ، وكان أهلها كلهم يهود فأقرهم صلى الله عليه وسلم فيها وصالحهم على زراعتها، فصارت بغلبة المسلمين وعلو أحكامهم عليها ، دار إسلام ، وجازت السكنى والإقامة فيها والاستيطان ، فكان له صلى الله عليه وسلم فيها عمال..
·      وفي المقابل لما ادعى الأسود العنسي النبوة في اليمن وارتد قوم من أهلها واتبعوه حتى غلب على صنعاء - وذلك في آخر أيام النبي صلى الله عليه وسلم في الدنيا –  فقتل الأسود واليها شهر بن باذان الذي كان قد أقره النبي صلى الله عليه وسلم عليها ، وفر بعض عمال النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة لما استشرى أمر العنسي ، وارتد خلق معه (وعامله المسلمون هناك بالتقية )(4) فلم يكفروا ببقائهم في دار الردة وعدم فرارهم، بل كان منهم فيروز الديلمي وأصحابه الذين ثبتوا واحتالوا حتى قتلوا الأسود العنسي وعادت الغلبة في اليمن للمسلمين..
فهاهي صنعاء صارت دار كفر بغلبة المرتدين والكفار عليها بعد أن كانت دار إسلام أي أنها صارت دار ردة ، وبقيت تحت غلبة الأسود الذي ادعى النبوة لمدة أربعة أشهر أو قريباً منها.. ولم يمنع ذلك من وجود مسلمين صالحين فيها ، يأخذون بالتقية ، ويعملون لإعادة الغلبة للمسلمين ، حتى تمكنوا في آخر أمرهم من قتل الأسود وإعادة اليمن إلى حكم المسلمين ، ولم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم ذلك (5) ، ولا قال أنهم كفروا ببقائهم في صنعاء وعدم فرارهم إذ صارت دار كفر بتغلب الكفار عليهم.. وهذا مع وجود دار الإسلام وجماعة المسلمين.
·     وأيضا بعد ذلك لما سقطت مصر ، بأيدي العبيديين الكفرة من بني عبيد القداح واستولوا عليها وتغلبوا على الحكم فيها صارت دار كفر وردة بعد أن كنت دار إسلام وجمهور أهلها من المسلمين ، فبقيت تحت حكم العبيديين نحو مائتي سنة أظهروا فيها رفضهم وكفرهم وزندقتهم ، حتى ألّف ابن الجوزي كتابه ( النصر على مصر ).. ومع ذلك لم يقل أحد من العلماء المحققين أن حكم الكفر هذا الذي أطلق على الدار  وعلى المتغلبين عليها ، قد شمل أهلها المستضعفين..
بل قد كان فيهم علماء وفقهاء وصالحون كثير ، فمنهم من كان مستخفيا ولا يقدر على إظهار عقيدته في بني عبيد ، بل ولا حتى التحديث بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم مخافة أن يقتل ( كما حكى إبراهيم بن سعيد الحبال صاحب عبد الغني بن سعيد أنه امتنع من رواية الحديث خوفا أن يقتلوه ) (6)
ومع هذا فعموم المسلمين كانوا يضمرون بغض بني عبيد ، والبراءة منهم ، وربما أظهر ذلك بعضهم بطريقة لا يناله فيها بطشهم ، كما ذكر السيوطي في مقدمة تاريخ الخلفاء عن ابن خلكان أنه قال في العبيديين: ( وقد كانوا يدعون علم المغيبات ، وأخبارهم في ذلك مشهورة ، حتى إن العزيز صعد يوما المنبر فرأى ورقة مكتوب فيها:
بالظلم  والجور  قد  رضينا               وليس بالكفر والحماقة
  إن كنت أعطيت علم الغيب                بين لنا  كاتب  البطاقة.
وكتبت إليه امرأة قُصة فيها: بالذي أعز اليهود بميشا ، والنصارى بابن نسطور ، وأذل المسلمين بك ، إلا نظرت في أمري ) أهـ (7).
فمَنْ من العلماء المحققين ، لا من الفشارين المتهورين.. قال بتكفير هؤلاء لمجرد إقامتهم في دار الكفر ما داموا لم يظهروا سببا من أسباب الكفر ؟؟ هذا مع وجود در إسلام يهاجر إليها في ذلك الوقت ، فكيف مع عدمها في زماننا ؟؟
وقد كان العبيديون شرا على ملة الإسلام من التتر كما ذكر الذهبي ، فمنهم من كان يظهر سب الأنبياء.. أما سب الصحابة فحدث ولا حرج – فقد  ذكر السيوطي عن أبي الحسن القابسي: ( أن الذين قتلهم عبيد الله وبنوه من العلماء والعباد أربعة آلاف رجل ليردوهم عن الترضي عن الصحابة فاختاروا الموت ، قال: فيا حبذا لو كان رافضيا فقط ، ولكنه زنديق ) تاريخ الخلفاء ص 13.
فأنت ترى أنه كان في مصر آنذاك فقهاء ، كما قدمنا أيضا في كلام أبي محمد القيرواني الكيزاني قوله: ( إنما أقام من أقام من الفقهاء على المباينة لهم لئلا تخلوا للمسلمين حدودهم فيفتنوهم  عن دينهم ) أهـ.
فكان منهم من يستخفي ومنهم من يظهر دينه فيقتل.. كما قال القاضي أبو بكر الباقلاني: ( كان المهدي عبيد الله باطنيا خبيثا حريصا على إزالة ملة الإسلام ، أعدم العلماء والفقهاء ليتمكن من إغواء الخلق ) أهـ. تاريخ الخلفاء ص 12.
وممن واجههم بكفرهم من العلماء الشهيد – نحسبه كذلك –  أبو بكر النابلسي الذي أحضره المعز: ( فقال له: بلغني عنك أنك قلت: لو أن معي عشرة أسهم لرميت الروم بتسعة ورميت المصريين بسهم ، فقال ما قلت هذا ، فظن أنه رجع عن قوله ، فقال  كيف قلت ؟ قال: قلت: ينبغي أن نرميكم بتسعة ثم نرميهم بالعاشر. قال: ولم ؟ قال: ( لأنكم غيرتم دين الأمة وقتلتم الصالحين وأطفأتم نور الإلهية ، وادعيتم ما ليس لكم ) فشهره ثم ضربه بالسياط ثم جاء بيهودي فأمره بسلخه فجعل يسلخه وهو يقرأ القرآن ، قال اليهودي: فأخذتني رقة عليه ، فلما بلغت تلقاء قلبه طعنته بالسكين فمات.. ) البداية والنهاية ( 11/284) مختصرا وانظر سير أعلام النبلاء (16/148).
والشاهد من هذا كله أن أحوال المسلمين تحت حكم المتغلبين الكفار في كل زمان تغلبوا فيه على بعض ديار الإسلام ، كانت تتفاوت بين مستضعف مستخف أو آخذ بالتقية أو مجاهد قائم بدين الله تبارك وتعالى  ، ولم يكن العلماء يطلقون الكفر على أحد من هؤلاء ما داموا لم يتلبسوا بشيء من نواقض الإسلام وأسباب الكفر الظاهرة، وإنما كفروا من نصر الكفار أو المرتدين  أو أظهر موالاتهم أو صار من أهل دولتهم وحكمهم الكفري كما نقل ابن كثير في البداية والنهاية ( 11/284) عن القاضي الباقلاني قوله في العبيديين: ( إن مذهبهم الكفر المحض واعتقادهم الرفض وكذلك أهل دولته من أطاعه ونصره ووالاه قبحهم الله وإياه ) أهـ.
.. و الأمثلة من جنس هذا في التاريخ كثيرة …
والشاهد منه أن الأصل في كل منتسب للإسلام أو مظهر لخصائصه ؛ الإسلام ، ما لم يظهر سببا من أسباب الكفر ، والأصل فيه أنه معصوم الدم والمال والعرض حيث كان..
-وقد قال تبارك وتعالى: (( ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعلموهم )).
فسماهم مؤمنين مع أنهم كانوا في مكة حين كانت دار كفر ، ورغم أنهم كانوا مستخفين لا يعلمهم المؤمنون.
قال في روضة الطالبين (10/282): ( فرع: المسلم إن كان ضعيفا في دار الكفر لا يقدر على إظهار الدين ، حرم عليه الإقامة هناك ، وتجب عليه الهجرة إلى دار الإسلام ، فإن لم يقدر على الهجرة ، فهو معذور إلى أن يقدر ، فإن فتح البلد قبل أن يهاجر سقط عنه الهجرة ، وإن كان يقدر على إظهار الدين ، لكونه مطاعا في قومه ، أو لأن له هناك عشيرة يحمونه ، ولم يخف فتنة في دينه ، لم تجب الهجرة ، لكن يستحب لئلا يكثر سوادهم ، أو يميل إليهم ، أو يكيدوا له ، وقيل ؛ تجب الهجرة ، حكاه الإمام ، والصحيح الأول ) أهـ.
وقال الماوردي: ( فإن صار له بها – أي دار الكفر – أهل وعشيرة وأمكنه إظهار دينه لم يجز له أن يهاجر لأن المكان الذي هو فيه قد صار دار إسلام )
قال رشيد رضا تعليقا على ذلك: ( هذا قول باطل لأن مجرد إظهار الرجل لدينه لا يجعل الدار دار إسلام والأحكام فيها غير إسلامية ، فإن جميع بلاد أوروبة لا يعارض أحد فيها إذا أظهر دينه أو دعا إليه حتى في حال محاربتهم للمسلمين ولأن الهجرة من دار إسلام إلى أخرى جائزة بالإجماع ، ولو قال  لا تجب عليه الهجرة في تلك الحالة لكان قريبا ، ولعل هذا هو الأصل ، ووقع الغلط في النقل. ) أهـ من شرح الأربعين النووية ، ص13 ضمن ( مجموعة الحديث النجدية )
- وقال سبحانه وتعالى في تفاصيل قتل المؤمن خطأ: (( وإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة.. ))
فسماه تبارك وتعالى مؤمنا ، وجعل في قتله خطأ كفارة ؛ مع انه مقيم مع أعدائنا في دار الحرب ، على قول طائفة من السلف والفقهاء والمفسرين كما في تفسير ابن جرير وغيره.. وانظر روضة الطالبين ( 9/381).
وقال الشوكاني في فتح القدير (1/498): ( و هذه مسألة المؤمن الذي يقتله المسلمون في بلاد الكفار الذين كان منهم ثم أسلم ولم يهاجر وهم يظنون أنه لم يسلم وأنه باق على دين قومه ، فلا دية على قاتله ، بل عليه تحرير رقبة مؤمنة ، واختلفوا في وجه سقوط الدية، فقيل وجهه أن أولياء القتيل كفار لا حق لهم في الدية ، وقيل وجهه أن هذا الذي آمن حرمته قليلة.. لقول الله تبارك وتعالى: (( والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق والله بما تعملون بصير )).. ) أهـ.
وتأمل وصف الله لهم بالذين آمنوا مع أنهم لم يهاجروا من دار الكفر في ظل وجود دار إسلام كانت الهجرة واجبة إليها
وقد ذكر الشوكاني بعد ذلك أن بعض أهل العلم أوجب ديته ولكن لبيت  المال، ويستأنس لهذا القول ، ولما نحن بصدده أيضا بما رواه أبو داود (2642) والترمذي من حديث جرير بن عبد الله قال: ( بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية إلى خثعم ، فاعتصم ناس منهم بالسجود فأسرع فيهم القتل، قال فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فأمر لهم بنصف العقل، وقال أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين ، قالوا: يا رسول الله لم ؟ قال: لا ترايا { تراءى} ناراهما )   
 وقد أعلّ الحديث بالإرسال حيث لم يذكر جرير في رواية جماعة ، لكن صححه بعض العلماء بمجموع طرقه.
وقد ذكر الخطابي وبعض أهل العلم أنه صلى الله عليه وسلم إنما أمر لهم بنصف العقل بعد علمه بإسلامهم ، لأنهم قد أعانوا على أنفسهم بمقامهم بين ظهراني الكفار ، فكانوا كمن هلك بجناية نفسه وجناية غيره ، فسقط بذلك حصة جنايته فلم يكن له إلا نصف العقل ( أنظر عون المعبود ) (7/218)
وهذا كله من الدلائل على أن مثل هذا لا يكفر رغم تقصيره في الهجرة ، وعصيانه بالمقام بين ظهراني المشركين ، وليس أظهر في الدلالة على ذلك تسمية رسول الله صلى الله عليه وسلم له بالمسلم وعدم رفع هذه الصفة عنه ، ولا يعكر على ذلك براءة النبي صلى الله عليه وسلم منه وكون البراءة الكلية لا تكون إلا من الكافر لان المراد بالبراءة هنا براءة الذمة من عقله كاملا (8)، كما قد فسر في الحديث نفسه ، ومن ذلك أيضا قصور حقه في النصرة لتقصيره في الهجرة ، فهذه قرائن صارفة للبراءة المكفرة ، إلى براءة من نوع ثان فسرتها السنة وذكرها الله تعالى في قوله: (( والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق والله بما تعملون بصير )).
اللهم إلا أن يضم إلى إقامته في دار الكفر وتقصيره بالهجرة الواجبة إلى دار الإسلام ؛ مظاهرته للمشركين ومحاربته للمسلمين ، فحينئذ تكون البراءة منه براءة كلية مكفرة..
   قال ابن حزم بعد أن ذكر الحديث أعلاه: ( وهو عليه السلام لا يبرأ إلا من كافر. قال تبارك وتعالى (( المؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض )) ، ثم قال ؛ ( فصح بهذا أن من لحق بدار الكفر والحرب مختارا محاربا لمن يليه من المسلمين فهو بهذا الفعل مرتد له أحكام المرتد كلها من وجوب القتل عليه متى قدرعليه ، ومن اباحة ماله ، وانفساخ نكاحه وغير ذلك لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يبرأ من مسلم ، وأما من فر إلى أرض الحرب لظلم خافه ، ولم يحارب المسلمين ، ولا  أعان عليهم ، ولم يجد في المسلمين  من يجيره فهذا لا شيء عليه لأنه مضطر مكره ). أهـ المحلى ( 13/138-139)
 وهو صريح في أن اللحوق بدار الكفر إنما يكون كفرا ، إذا ما انضاف إليه محاربة المسلمين وإعانة الكفار ومظاهرتهم عليهم ، فهو يتنزل على أنصار الشرك المحاربين للدين أو من ظاهر المشركين والكافرين على الموحدين لا على عموم المقيمين في دار الكفر.
ثم قال ابن حزم: ( وقد ذكرنا أن الزهري محمد بن مسلم بن شهاب كان عازما على أنه إن مات هشام بن عبد الملك لحق بأرض الروم لأن الوليد بن يزيد كان نذر دمه إن قدر عليه ، وهو كان الوالي بعد هشام فمن كان هكذا فهو معذور.
وكذلك من سكن بأرض الهند والسند والصين والترك والسودان والروم من المسلمين ، فإن كان لا يقدر على الخروج من هنالك لثقل ظهر أو لقلة مال أو لضعف جسم أو لامتناع طريق فهو معذور.
فإن كان هنالك محاربا للمسلمين معينا للكفار بخدمة أو كتابة فهو كافر. ) أهـ
وإياك أن تفهم من قوله: (معينا للكفار بخدمة أو كتابة فهو كافر ) ، التكفير بمجرد إعانة الكفار بمطلق الخدمة أو الكتابة  ، كما يطلقه بعض الغلاة ، فقد رأيت كيف ربط ابن حزم هذه الإعانة بحرب المسلمين ، فهذا هو الكفر ، أعني حرب المسلمين ومظاهرة الكفار ونصرتهم  عليهم في حربهم ولو بالكتابة ونحوها ، لا مطلق خدمتهم والكتابة لهم ، فهذا فيه تفصيل سيأتي في تفصيل العمل عند الكفار.
ثم قال رحمه الله: (وإن كان إنما يقيم هنالك لدنيا يصيبها وهو كالذمي لهم وهو قادر على اللحاق بجمهرة المسلمين وأرضهم فما يبعد عن الكفر وما نرى له عذرا ونسأل الله العافية.
وليس كذلك من سكن في طاعة أهل الكفر من الغالية ومن جرى مجراهم لأن أرض مصر والقيروان ( يشير إلى العبيديين ) وغيرهما فالإسلام هو الظاهر وولاتهم على كل ذلك لا يجاهرون بالبراءة من الإسلام بل إلى الإسلام ينتمون وإن كانوا في حقيقة أمرهم كفارا.
وأما من سكن في أرض القرامطة مختارا فكافر بلا شك لأنهم معلنون بالكفر وترك الإسلام ونعوذ بالله من ذلك.
وأما من سكن في بلد تظهر فيه بعض الأهواء المخرجة إلى الكفر ، فهو ليس بكافر لأن اسم الإسلام هو الظاهر هنالك على كل حال من التوحيد والإقرار برسالة محمد صلى الله عليه وسلم والبراءة من كل دين غير الإسلام وإقامة الصلاة وصيام رمضان وسائر الشرائع التي هي الإسلام والإيمان ، والحمد لله رب العالمين. ) أهـ.
ومعلوم أن هذا كله في ظل وجود دار إسلام..
 وتأمل اعتبار ابن حزم لظهور شرائع الإسلام وخصائصه العظام كتوحيد الله والإقرار بنبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم وإظهار الصلاة وصيام رمضان وانتساب الولاة للإسلام وعدم براءتهم منه – رغم كفرهم ؛ تأمل اعتباره لذلك في تسويغ إقامة المسلم – أو على الأقل عدم تكفيره – لإقامته في دار كفر هكذا وصفها وهكذا حال ولاتها.. ولا يماحك في شبه هذا لحال بلاد المسلمين اليوم إلا مكابر.   
 وكذا الحديث المذكور في براءة النبي صلى الله عليه وسلم ممن أقام بين ظهراني المشركين ؛ فقد قيل في ظل وجود دار إسلام ، بل قد قيل  في وقت كانت الهجرة إلى النبي صلى الله عليه وسلم واجبة قبل فتح مكة، ومع هذا لم يكفر أمثال هؤلاء بمجرد إقامتهم بين المشركين ، وإن أثموا وعوقبوا بنقصان حرمتهم ، وضعف وقصور ولايتهم..
فإذا ما عدمت دار الإسلام التي يهاجر المسلم  إليها فإنه بإقامته بدار الكفر معذور إذا ما اتقى الله واجتنب الشرك ، وإعانة أهله على المسلمين ، إذ لا سبيل إلى دار إسلام يهاجر إليها حتى يأثم بتقصيره في ذلك ، فضلا عن أن يكفر !!.
فكيف إذا كانت إقامته في دار الكفر والحالة كذلك ، لأجل نصرة دين الله وإظهار التوحيد ومقارعة الشرك والتنديد ؟ لا شك أن مثل هذا المسلم محسن مأجور قائم بدين الله تبارك وتعالى..
وفي الحديث المتواتر المروي عن بضع عشر صحابيا بألفاظ متقاربة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على أمر الله لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم حتى يأتي أمر الله ).
 ومثله الحديث الآخر: ( الخيل معقود بنواصيها الخير إلى يوم القيامة الأجر والمغنم ) وهو في صحيح البخاري..
فهذان الحديثان يدلان على وجود المسلمين الصادقين والمجاهدين إلى يوم القيامة ، واستمرار وجودهم في كل الظروف ، في ظل وجود دار الإسلام وفي حال عدمها ..
بل قد قرر العلماء وجوب إقامة المسلم في دار الكفر ، إذا أمكنه السعي في تحويلها إلى دار إسلام ؛ كما جاء في ( مغني المحتاج ) للشربيني (4/239):    ( ولو قدر على الامتناع بدار حرب والاعتزال وجب عليه المقام بها ، لأن موضعه دار إسلام ، فلو هاجر لصار دار حرب ، فيحرم ذلك،  نعم إن رجا نصرة المسلمين بهجرته ، فالأفضل أن يهاجر ، قاله الماوردي – وقد تقدم – ثم في إقامته يقاتلهم على الإسلام ، ويدعوهم إليه إن قدر.. وإلا فلا ) أهـ.
ونقل في روضة الطالبين (10/282) عن صاحب ( الحاوي ) قوله: ( فإن كان يرجو ظهور الإسلام هناك بمقامه ، فالأفضل أن يقيم ، قال: وإن قدر على الامتناع في دار الحرب والاعتزال ، وجب عليه المقام به ، لأن موضعه دار إسلام ، فلو هاجر لصار دار حرب ، فيحرم ذلك ، ثم إن قدر على قتال الكفار ودعائهم إلى الإسلام لزمه ، وإلا فلا ، والله أعلم. ) أهـ
فتأمل إيجابهم المقام بدار الكفر في مثل هذه الحال ، فأين المتنطع المكفر بذلك ، من هذا ! ؟.
وقال الحافظ ابن حجر في الفتح: ( وفيه – أي حديث الخيل – بشرى ببقاء الإسلام وأهله إلى يوم القيامة ، لأن من لازم بقاء الجهاد بقاء المجاهدين وهم المسلمون ، وهو مثل الحديث الآخر ( لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ) أهـ. من كتاب الجهاد والسير ( باب الجهاد ماض مع البر والفاجر )
وقريب من هذا المعنى حديث حذيفة المتفق عليه: ( فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام ) ؟ قال صلى الله عليه وسلم: ( فاعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تعض بأصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك ) .
ففيه أنه لا أثر لغياب جماعة المسلمين أو إمامهم- وهذه مقومات دار الإسلام - ولا  علاقة لذلك في إسلام المرء أو كفره ، وإنما المناط الذي يتعلق  ذلك به هو إظهاره لسبب من أسباب الكفر..
فهذا كله يدل على أن المسلم إذا كان في دار الكفر ولم يهاجر منها إلى دار الإسلام لعجز أو مانع منعه أو لتمكنه من إظهار دينه فيها ، أو لقيامه بالجهاد ونصرة الدين .. فهو مسلم معصوم الدم والمال..
فمن باب أولى أن يبقى المسلم كذلك في حال عدم وجود دار إسلام يهاجر إليها أصلا..
فإن الله تبارك وتعالى  لم ينط  أحكام التكفير  بأمور قاهرة لا كسب للعباد فيها.. وإنما أناطها سبحانه وتعالى بأسباب ظاهرة منضبطة – كما تقدم – تنحصر بقول او فعل مكفر من كسب المكلف.. وما لم يظهر المرء شيئا من ذلك ، فلا سبيل إلى تكفيره ، بأمور خارجة عن إرادته ما دام عنده أصل الإسلام..
والخلاصة ان مصطلح دار الكفر لا اثر له في الحكم على قاطني الدار ، خصوصا في وقت قد أمست الأرض كلها فيه دار كفر إما أصلية ، أو طارئة لغلبة الكفار وأحكامهم على جميع البلاد..
ويتأكد ذلك إذا كانت الدار الموصوفة بهذا المصطلح دار كفر طارئ ، أي أنها كانت قبل ذلك دار إسلام ولا زال جمهور أهلها ينتسبون للإسلام ، وهذا أمر غفل أو تغافل عنه كثير من المتحمسين ، فلم يفرقوا بين دار الكفر الأصلية التي يغلب الفقهاء حكمها في حكمهم بالتبعية في بعض المسائل ، وبين دار الكفر الحادثة ، أي التي كانت للمسلمين فغلب عليها الكفار ، فإن الفقهاء يؤصلون فيها لمجهول الحال الذي لا سبيل إلى معرفة حاله – كالميت واللقيط والمجنون – بالإسلام والعصمة ، احتياطا لحرمة المسلمين وعصمة لدمائهم  ولو لم يبق فيها إلا مسلم واحد ، لان الإسلام يعلو ولا يعلى  ، بل أصّل بعضهم بالإسلام لمثل ذلك ولو لم يظهر فيها مسلم لاحتمال أن يكون فيها مؤمن يكتم إيمانه. (9)
نقل النووي عن الرافعي في روضة الطالبين قوله في سياق كلامه عن اللقيط يوجد في الدار والحكم له بالتبعية ، أن دار الإسلام ثلاثة أضرب:
أحدها: دار يسكنها المسلمون ’ فاللقيط الموجود فيها مسلم ، وإن كان فيها أهل ذمة ، تغليبا للإسلام.
الثاني: دار فتحها المسلمون وأقروها في يد الكفار بجزية ، فقد ملكوها ، أو صالحوهم ولم يملكوها ، فاللقيط فيها مسلم إن كان فيها مسلم واحد فأكثر ، وإلا فكافر على الصحيح ، وقيل مسلم لاحتمال أنه ولد مَنْ يكتم إسلامه منهم.
الثالث: دار كان المسلمون يسكنونها ثم جلوا عنها وغلب عليها الكفار ، فإن لم يكن فيها من يعرف بالإسلام ، فهو كافر على الصحيح ، وقال أبو اسحاق: مسلم ،لاحتمال أن فيها كاتم إسلامه ، ,إن كان فيها معروف بالإسلام فهو مسلم..
هذا في أحوال دار الإسلام ، أما في دار الكفر الأصلية فقال: ( دار الكفر ، فإن لم يكن فيها مسلم ، فاللقيط الموجود فيها محكوم بكفره ، وإن كان فيها تجار مسلمون ساكنون ، فهل يحكم بكفره تبعا للدار ، أو بإسلامه تغليبا للإسلام ؟ وجهان ، أصحهما: الثاني. )
فتأمل احتياط العلماء وتغليبهم للإسلام عند الإشكال حتى في دار الكفر الأصلية  ، احتراما لحرمة المسلمين ، واحتياطا في عصمة دمائهم ؛ فمن باب أولى في دار الكفر الطارئة التي ينتسب جمهور أهلها للإسلام.
وعلى كل حال فما دام هذا المصطلح إنما أطلقه الفقهاء للدلالة على أن الغلبة والهيمنة في الدار للكفار وأحكامهم ، فلا يصح والحال كذلك تأصيل قاعدة (الأصل في الناس الكفر)  على هذا المصطلح خصوصا في دار الكفر الطارئة التي ينتسب جمهور أهلها للإسلام ويظهرون خصائصه..
إذ ما دام المصطلح غير مناط ولا معلق بقاطني الديار ونوع ديانتهم ، فكيف يصح التأصيل لديانتهم عليه.. فالتأصيل معناه ؛ استصحاب حكم الأصل.. فلو كان هذا الاصطلاح مرتبط بديانة جمهور أهل الدار لصار للتأصيل مدخل.. ولذلك فإن الفقهاء إذا تكلموا في دار الإسلام التي يلزم فيها أهل الكتاب بالغيار ولا يقر فيها المرتد بحال – أو إذا تكلموا في دار الكفر الأصلية التي لم يدخلها الإسلام ولا كان جمهور أهلها مسلمين.. تراهم يستعملون التبعية للدار في بعض المجالات الضيقة حيث يعدم الظاهر والسيما ، ويتعذر تبين حال الإنسان ، كاللقيط أو المجنون أو الميت الذي لايبين عن نفسه – يوجد في أحد الدارين ولا يعرفه أحد ولا علامة مميزة تدل على دينه.. فألحقوهم بالدار في مثل هذه الأحوال.. أي أنهم اعتبروا في هذا واستصحبوا فيه ديانة أهل الدار ، لا مجرد الاصطلاح التابع للغلبة والحكم فقط كما يفعله أولئك الغلاة وفي دار الكفر الطارئة..
وعلى كل حال فموضوع الحكم بالتبعية الذي تعرض له الفقهاء لا دخل له بما نحن في صدد رده  ، فليس هو فيمن أظهر شيئا من علامات الإسلام وخصائصه ومع هذا يكفر ؛ كما يكفره من يكفره من الغلاة طبقا لهذه القاعدة.. بل ينحصر ذلك في مجهول الحال الذي يتعذر تبين حاله لانعدام السيما ولصغره أو موته أو ذهاب عقله ، وليس هناك من يدعيه من والد أو أولياء ليلحق بهم.. ولذلك فقد نص الفقهاء  على أنه متى ظهرت عليه علامة تدل على دينه أو ادعاه أحد ما.. قدم هذا الظاهر على ذلك الاستصحاب.. ولذلك قدموا التبعية للوالدين على التبعية للدار (10).
 وذلك لان الاستصحاب كما قد قرر علماء الأصول أضعف الأدلة ولا يصار إليه إلا عند التعذر عن إثبات ظاهر..
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ( الظاهر يقدم على الاستصحاب وعلى هذا عامة أمور الشرع ).
وقال في الموضع نفسه: ( التمسك بمجرد استصحاب حال العدم أضعف الأدلة مطلقا ، وأدنى دليل يرجح عليه.. ) إلى قوله: ( ولا يجوز الإخبار بانتفاء الأشياء وعدم وجودها بمجرد هذا الاستصحاب من غير استدلال بما يقتضي عدمها ، ومن فعل ذلك كان كاذبا ، متكلما بلا علم.. )
(فعدم علمه ليس علما بالعدم ).. ( وما دل على الإثبات من أنواع الأدلة فهو راجح على مجرد استصحاب النفي ) أهـ مختصرا من مجموع الفتاوى (23/ص13).
وقال أيضا: ( فقد اجمع المسلمون ، وعلم بالاضطرار من دين الإسلام ، أنه لا يجوز لأحد ان يعتقد ويفتي بموجب هذا الاستصحاب والنفي إلا بعد البحث عن الأدلة الخاصة ، إذا كان من أهل ذلك ، فإن جميع ما أوجبه الله ورسوله وحرمه الله ورسوله مغير لهذا الاستصحاب ، فلا يوثق به إلا بعد النظر في أدلة  الشرع لمن أهل لذلك ) أهـ. مجموع الفتاوى (29/90)
وقال ابن القيم: ( شهادة العدل رجلا كان أو امرأة أقوى من استصحاب الحال ، فإن استصحاب الحال من أضعف البينات ، ولهذا يدفع بالنكول تارة وباليمين المردودة وبالشاهد واليمين ، ودلالة الحال ) أهـ اعلام الموقعين (1/96)
تأمل هذا.. مع أن الفقهاء إنما استعملوا ذلك الاستصحاب أو التأصيل في المجال الضيق الذي عرفته حيث يعدم تمييز القرائن ومعرفة الظاهر.. ومع هذا ، فتأصيلهم واستصحابهم ضعيف ، يغيره أدنى دليل أو سيما أو ظاهر أو شهادة أو نحوها..
فكيف بتلك القاعدة وذلك التأصيل الذي أطلقه أولئك الغلاة المتهورون في عموم أهل الإسلام ، ولم يعتبروا فيها ما يظهره الصالحون منهم أو المجاهدون أو المستضعفون من شعائر الإسلام وخصائصه.. ؟؟
فقدموا ما أصلوه وقعدوه مستندا إلى حكم اصطلاحي لا دخل له بديانة الناس ، على الظاهر البين والمعلن من أقوال الناس وأعمالهم وشعائرهم الإسلامية.. والدار دار كفر طارئة ليست دار كفر أصلية..
فلا شك أن تأصيلهم هذا ، أضعف وأضعف وأضعف.. فكيف إذا أضافوا إليه وبنوا عليه استحلال الدماء والأموال والأعراض فهو باطل محض نبرأ إلى الله منه..
·     تنبيه: إلى أن قاعدة ( الأصل في جيوش الطواغيت وأنصارهم الكفر) لا غبار عليها: -
يجدر بنا التنبيه هنا  إلى أننا وأن كنا ننكر التأصيل سابق الذكر ، إلا أن كلامنا وإنكارنا هذا لا ينطبق على جيوش الطواغيت وأنصارهم ؛ فإن القاعدة عندنا ( أن الأصل فيهم الكفر ) حتى يظهر لنا خلاف ذلك ، إذ أن هذا التأصيل قائم على النص ودلالة الظاهر لا على مجرد التبعية للدار ، فإن الظاهر في جيوش الطواغيت وشرطتهم ومخابراتهم وأمنهم أنهم من أولياء الشرك وأهله المشركين.
-       فهم العين الساهرة على القانون الوضعي الكفري ، الذين يحفظونه ويثبتونه وينفذونه بشوكتهم وقوتهم.
-       وهم أيضا الحماة والأوتاد المثبتين لعروش الطواغيت والذين يمتنع بهم الطواغيت عن التزام شرائع الإسلام وتحكيمها.
-       وهم شوكته وأنصاره الذين يعينونه وينصرونه على تحكيم شرائع الكفر وإباحة المحرمات من ردة وربا ، وخمر وخنا ، وغير ذلك.
-        وهم  الذين يدفعون في نحر كل من خرج من عباد الله منكرا كفر الطواغيت وشركهم ، ساعيا لتحكيم شرع الله ونصرة دينه المعطل الممتهن..
فهذه حقيقة وظيفتهم ومنصبهم وعملهم ؛ يتلخص في سببين من أسباب الكفر صريحين وهما:
-       نصرة الشرك (بتولي القانون والتشريع الكفري الطاغوتي)(11)
-         ونصرة أهله وتوليهم ومظاهرتهم على الموحدين.
والنصوص الدالة على أن هذان سببان من أسباب الكفر البواح ظاهرة متضافرة ، وقد فصلناها في غير هذا المقام ، وليس مقصودنا هاهنا تفصيل هذا ، وإنما التنبيه إلى الأصل المذكور.
فقد أصل الله سبحانه وتعالى لنا في أنصار الكفار وأوليائهم عموما ، أصلا محكما في قوله تبارك وتعالى: (( الذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت )) ، وقوله سبحانه: (( ومن يتولهم منكم فإنه منهم )) فالأصل في كل من أظهر تولى الكفار ونصرتهم أو قاتل في سبيل الطاغوت أو كان في عدوته وحدّه وأظهر نصرته باللسان أو السنان ؛ أنه من جملة الذين كفروا..
ولذلك كان حال النبي صلى الله عليه وسلم وسيرته مع الكفار المحاربين وفي أنصارهم وأوليائهم وأحلافهم الذين ينصرونهم على المسلمين؛ على هذا الاصل.
أنظر على سبيل المثال معاملته صلى الله عليه وسلم للعباس معاملة الكفار رغم دعواه الإسلام لما أسر في صفوف المشركين يوم بدر ، وانظر مثل هذا أيضا ما رواه مسلم في كتاب النذور (1008) من المختصر من حديث عمران بن حصين في قصة الرجل من بني عقيل حلفاء ثقيف ، لما أسره المسلمون بجريرة حلفائه لما نقضت ثقيف عهدها مع النبي صلى الله عليه وسلم.. ولم يطلقه النبي صلى الله عليه وسلم رغم ادعائه الإسلام بل عامله معاملة الكفار فغنم ناقته وفداه برجلين من المسلمين.
وعليه كانت سيرة أصحابه صلى الله عليه وسلم  من بعده في كل ذوي منعة وشوكة يخرجون عن شريعة الله تبارك وتعالى.
أنظر سيرتهم في خلافة أبي بكر في أنصار مسيلمة الكذاب ونحوهم من المرتدين كأنصار طليحة الأسدي فقد كفروهم جميعا وساروا فيهم سيرة واحدة ولم يخالف في ذلك أحد من الصحابة
ولذلك أطلق العلماء المحققين القول بإباحة دم ومال  المحاربين وأنصارهم وجعلوا حكم الردء فيهم حكم المباشر منهم (12).. وفي المغني (كتاب الجهاد ) ( فصل من أسر فادعى أنه كان مسلما ، لم يقبل قوله إلا ببينة ، لأنه  يدعي أمرا الظاهر خلافه.. ) أهـ ( 8/261) وذكر فيه قصة سهل بن بيضاء في غزوة بدر وستأتي.
فتأمل كيف جعل الأصل فيمن أظهر الانحياز لجيش الكفار حتى أسر في صفهم ، الكفر ، بحيث لا تقبل الدعوى بخلافه – كما في قصة أسر العباس أيضا – حتى تقوم بينة تغير هذا الأصل الظاهر.
ولأجل ذلك كان الأصل عندنا في كل من انتسب إلى هذه الأجهزة والوظائف ، التي حقيقتها ، نصرة الشرك وأهله ؛ الكفر. فنحكم على كل واحد منهم بالكفر ونجري عليه أحكام الكفر بما أظهروه من أسباب الكفر ، ما لم يتبين لنا خلاف ذلك من قيام مانع معتبر من موانع التكفير في حق المنتسب للإسلام منهم فنستثنيه.. وقد قدمنا أن تبين الموانع في حق الممتنعين المحاربين ، غير واجب لامتناعهم ومحاربتهم ، لكن إن ظهر لنا شيء من ذلك في حق بعضهم لم نكفره ، وما لم يظهر ذلك فالأصل الظاهر عندنا منهم هوالكفر، وحقيقة أمر باطنهم إلى الله تبارك وتعالى ، وليس إلينا ، وقد أمرنا بالأخذ بالظاهر ، ولم نؤمر أن نشق عن صدور الناس ولا عن بطونهم ، ولأن أصل هذه الوظائف وظاهرها ما قد عرفت فنحن نعاملهم ونؤصل لهم على هذا الظاهر حتى يظهر لنا خلافه ، بخلاف غير ذلك من الوظائف والأعمال التي ليس أصل طبيعتها وحقيقتها نصرة الشرك أو أهله ؛ ولذلك فلا نقول أن الأصل في الأطباء مثلا الكفر ، حتى يتبين لنا خلاف ذلك ، ولا أن الأصل في المدرسين الكفر ، أو أن الأصل في تولي وظائف الدولة الكافرة كلها الكفر.. كلا فهذه الوظائف كما سيأتي لنا فيها تفصيل ، وليست حقيقة جميعها وطبيعتها نصرة الشرك وأهله ، نعم قد يوجد  فيمن يتولى هذه الوظائف من هو من أنصار الشرك وأهله ولكن هذا ليس مختصا بحقيقة الوظيفة وماهيتها، كما قد يوجد من هو من أنصار الشرك وأهله من غير الموظفين..
والخلاصة: أن هذا التأصيل إذا كان في وظيفة أو عمل  حقيقته أنه سبب من أسباب الكفر الظاهرة ، كنصرة الشرك وأهله ، أو التشريع وفقا لنصوص الدستور الكفري ، ونحو ذلك من المكفرات الصريحة الظاهرة ، فلا حرج فيه عندنا ، ومعناه: إجراء حكم الظاهر على أصحاب هذه الوظيفة ، وإرجاء ما بطن من الأحكام إلى الله تبارك وتعالى.





(1) أنظر المغني ( كتاب المرتد ) ، (فصل: ولا يحكم بزوال ملك المرتد بمجرد ردته.. )
(2) أي أن مناط تلك الصفات ليس هو الدار ، بل وجود تلك الصفات أو موجبها في الشخص نفسه في أي بلد كان.
(3) حديث ( تقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف ) متفق عليه.
(4) أنظر البداية والنهاية (6/308).
(5) بل روي أنهم فعلوا ذلك عن أمر النبي صلى الله عليه وسلم وأنه بعث إليهم يأمرهم بالقيام على دينهم والنهوض في الحرب والعمل في الأسود. أنظر تاريخ الطبري وغيره وروي أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم أثنى على فيروز لما جاءه خبر قتله للأسود وهو في مرض موته صلى الله عليه وسلم.
(6)  مجموع الفتاوى (  35/ 85) .
(7)  تاريخ الخلفاء ص 13 ، وكان ميشا اليهودي عاملا بالشام ، وابن نسطور النصراني بمصر.
(8) وفي رواية للبيهقي (9/12-13) وغيره وفيها عنعنة الحجاج بن أرطأة: ( من أقام مع المشركين ، فقد برئت منه الذمة )

(9) أنظر على سبيل المثال ، المغني ( كتاب اللقيط ) ( فصل ولا يخلو اللقيط من أن يوجد في دار إسلام أو في دار كفر.. ) ، وانظر روضة الطالبين ( 5/433-434).
(10) أنظرعلى سبيل المثال المغني ( كتاب المرتد ) ( مسألة: وكذلك  من مات من الأبوين على كفره.. )
(11) وقد نصت قوانينهم نفسها على ان طبيعة وظيفة هذه الأجهزة ومهمتها الرئيسة ؛ حفظ القوانين وتنفيذها ومولاة أهلها.

(12)  انظر المغني (8/297) وتأمل تعليله لاستواء الردء بالمباشر في أحكام المحاربة ؛ بكون الحرابة مبنية على حصول المنعة والمعاضدة والمناصرة ، فلا يتمكن المباشر من فعله إلا بقوة الردء … 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

بسم الله الرحمن الرحيم
(( مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ))